المؤمنين ، فيقولون تضرعا وترحما : (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) في الدنيا بقول «لا إله إلا الله» ، ونصلي ونصوم ، ونجاهد ، ونعمل مثل عملكم؟ (قالُوا بَلى) كنتم معنا في الدنيا ، وعملتم في الظاهر ، مثل عملنا ، ولكن أعمالكم أعمال المنافقين ، من غير إيمان ، ولا نية صادقة صالحة. (وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ) ، أي : شككتم في خبر الله الذي لا يقبل شكا. (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ) الباطلة ، حيث تمنيتم أن تنالوا منال المؤمنين ، وأنتم غير موقنين. (حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) ، أي : حتى جاءكم الموت ، وأنتم بتلك الحالة الذميمة. (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) وهو الشيطان ، الذي زين لكم الكفر والريب ، فاطمأننتم به ، ووثقتم بوعده ، وصدقتم خبره.
[١٥] (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، ولو افتديتم بملء الأرض ذهبا ، ومثله معه ، لما تقبل منكم. (مَأْواكُمُ النَّارُ) ، أي : مستقركم (هِيَ مَوْلاكُمْ) التي تتولاكم ، وتضمكم إليها (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) النار. قال تعالى : (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ) (١١).
[١٦] لما ذكر حال المؤمنين والمؤمنات ، والمنافقين والمنافقات في الدار الآخرة ، كان ذلك مما يدعو القلوب إلى الخشوع لربها ، والاستكانة لعظمته ، فعاتب الله المؤمنين على عدم ذلك ، فقال : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ). أي : ألم يأت الوقت الذي به تلين قلوبهم ، وتخشع لذكر الله ، الذي هو القرآن ، وتنقاد لأوامره وزواجره ، وما نزل من الحق الذي جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم؟ وهذا فيه الحث على الاجتهاد ، على خشوع القلب لله تعالى ، ولما أنزله من الكتاب والحكمة ، وأن يتذكر المؤمنون المواعظ الإلهية ، والأحكام الشرعية ، كل وقت ، ويحاسبوا أنفسهم على ذلك. (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) ، أي : ولا يكونوا كالذين أنزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب ، والانقياد التام ، ثم لم يدوموا عليه ، ولم يثبتوا ، بل طال عليهم الزمان ، واستمرت بهم الغفلة ، فاضمحل إيمانهم ، وزال إيقانهم. (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) فالقلوب تحتاج في كل وقت إلى أن تذكر بما أنزل الله ، وتناطق بالحكمة ، ولا ينبغي الغفلة عن ذلك ، فإنه سبب لقسوة القلب ، وجمود العين.
[١٧] (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (١٧) فإن الآيات تدل العقول على المطالب الإلهية ، والذي أحيا الأرض بعد موتها ، قادر على أن يحيي الأموات بعد موتهم ، فيجازيهم بأعمالهم ، والذي أحيا الأرض بعد موتها بماء المطر ، قادر على أن يحيي القلوب الميتة بما أنزله من الحقّ على رسوله. وهذه الآية تدل على أنه لا عقل لمن لم يهتد بآيات الله ، ولم ينقد لشرائع الله.
[١٨] (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) بالتشديد ، أي : الّذين أكثروا من الصدقات والنفقات المرضية. (وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) بأن قدموا من أموالهم في طرق الخيرات ، ما يكون ذخرا لهم عند ربهم (يُضاعَفُ لَهُمْ) الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة. (وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) وهو ما أعده الله لهم في الجنة ، مما لا تعلمه النفوس.
[١٩] (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) ، والإيمان عند أهل السنة ما دل عليه الكتاب والسنة ، وهو قول