وينمو. (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) الّتي تمنع من الوقوع فيها ، فيجب أن لا تتعدى ولا يقصر عنها. (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) وفي هذه الآيات عدة أحكام : منها : لطف الله بعباده ، واعتناؤه بهم ، حيث ذكر شكوى هذه المرأة المصابة ، وأزالها ، ورفع عنها البلوى ، بل رفع البلوى بحكمه العام ، عن كلّ من ابتلي بمثل هذه القضية. ومنها : أن الظهار مختص بتحريم الزوجة ، لأن الله قال : (مِنْ نِسائِهِمْ). فلو حرم أمته ، لم يكن ظهارا بل هو من جنس تحريم الطيبات ، كالطعام والشراب ، تجب فيه كفارة اليمين فقط. ومنها : أن لا يصلح الظهار من امرأة قبل أن يتزوجها ، لأنها لا تدخل في نسائه وقت الظهار ، كما لا يصح طلاقها ، سواء نجّز ذلك ، أو علّقه. ومنها : أن الظهار محرم ، لأن الله سماه (مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً). ومنها : تنبيه الله على الحكم وحكمته ، لأن الله قال : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ). ومنها : أنه يكره للرجل أن ينادي زوجته ويدعوها باسم محارمه ، كقوله : «يا أمي» ، «يا أختي» ونحو ذلك ، لأن ذلك يشبه المحرم. ومنها : أن الكفارة إنّما تجب بالعود لما قال المظاهر ، على اختلاف القولين السابقين ، لا بمجرد الظهار. ومنها : أنه يجزىء في كفارة الرقبة ، الصغير والكبير ، والذكر والأنثى ، لإطلاق الآية في ذلك. ومنها : أنه يجب إخراجها إذا كانت عتقا أو صياما ، قبل المسيس ، كما قيده الله. بخلاف كفارة الإطعام ، فإنه يجوز المسيس والوطء في أثنائها. منها : أنه لعل الحكمة في وجوب الكفارة قبل المسيس ، أن ذلك أدعى لإخراجها ، فإنه إذا اشتاق إلى الجماع ، وعلم أنه لا يمكّن من ذلك إلا بعد الكفارة ، بادر إلى إخراجها. ومنها : أنه لا بد من إطعام ستين مسكينا ، فلو جمع طعام ستين مسكينا ، ودفعه لواحد أو أكثر من ذلك ، دون الستين لم يجز ، لأن الله قال : (فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً).
[٥] محادة الله ورسوله : مخالفتهما ومعصيتهما خصوصا في الأمور الفظيعة ، كمحادة الله ورسوله بالكفر ، معاداة أولياء الله. وقوله : (كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، أي : أذلوا وأهينوا ، كما فعل بمن قبلهم ، جزاء وفاقا. ليس لهم حجة على الله ، فإن الله قد قامت حجته البالغة على الخلق ، وقد أنزل من الآيات البينات ، والبراهين ما عين الحقائق ، ويوضح المقاصد ، فمن اتبعها وعمل عليها ، فهو من المهتدين الفائزين. (وَلِلْكافِرِينَ) بها (عَذابٌ مُهِينٌ) أي : يهينهم ويذلهم. فكما تكبروا عن آيات الله ، أهانهم الله وأذلهم.
[٦] يقول الله تعالى : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ) ، أي : يوم يبعث الله الخلق (جَمِيعاً) فيقومون من أجداثهم سريعا (فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) من خير وشر ، لأنه علم ذلك ، و (أَحْصاهُ اللهُ) ، أي : كتبه في اللوح المحفوظ ، وأمر ملائكة الكرام الحفظة بكتابته. هذا (وَ) العاملون قد (نَسُوهُ) ، أي : نسوا ما عملوه والله أحصى ذلك. (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) على الظواهر والسرائر ، والخبايا والخفايا ، ولهذا أخبر عن سعة علمه وإحاطته بما في السماوات والأرض من دقيق وجليل.
[٧] وأنه (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) ، والمراد بهذه المعية : معية العلم والإحاطة ، بما تناجوا به وأسروه فيما بينهم ، ولهذا قال : (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).