[١٢] يأمر تعالى المؤمنين بالصدقة ، أمام مناجاة رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم تأديبا لهم ، وتعليما ، وتعظيما للرسول صلىاللهعليهوسلم ، فإن هذا التعظيم خير للمؤمنين وأطهر. أي : بذلك يكثر خيركم وأجركم ، وتحصل لكم الطهارة من الأدناس ، الّتي من جملتها ترك احترام الرسول صلىاللهعليهوسلم ، والأدب معه بكثرة المناجاة الّتي لا ثمرة تحتها ، فإنه إذا أمر بالصدقة بين يدي مناجاته ، صار هذا ميزانا ، لمن كان حريصا على العلم والخير ، فلا يبالي بالصدقة. ومن لم يكن له حرص ولا رغبة في الخير ، وإنّما مقصوده مجرد كثرة الكلام ، فينكف بذلك عن الذي يشق على الرسول ، هذا في الواجد للصدقة. وأما الذي لا يجد الصدقة ، فإن الله لم يضيق عليه الأمر ، بل عفا عنه وسامحه ، وأباح له المناجاة بدون تقديم صدقة لا يقدر عليها.
[١٣] ثمّ لما رأى تعالى شفقة المؤمنين ، ومشقة الصدقات عليهم ، عند كلّ مناجاة ، سهل الأمر عليهم ، ولم يؤاخذهم بترك الصدقة بين يدي المناجاة وبقي التعظيم للرسول والاحترام بحاله ، لم ينسخ ؛ لأن هذا من باب المشروع لغيره ، ليس مقصودا لنفسه وإنّما المقصود هو الأدب مع الرسول والإكرام له. وأمرهم تعالى أن يقوموا بالمأمورات الكبار المقصودة بنفسها ، فقال : (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا) ، أي : لم يهن عليكم تقديم الصدقة ، ولا يكفي هذا فإنه ليس من شرط الأمر ، أن يكون هينا على العبد ، ولهذا قيده بقوله : (وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) ، أي : عفا لكم عن ذلك. (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) بأركانها وشروطها ، وجميع حدودها ، ولوازمها. (وَآتُوا الزَّكاةَ) المفروضة في أموالكم إلى مستحقيها. وهاتان العبادتان ، هما أم العبادات البدنية والمالية ، فمن قام بهما على الوجه الشرعي ، فقد قام بحقوق الله ، وحقوق عباده ، ولهذا قال بعده : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) ، وهذا أشمل ما يكون من الأوامر. فيدخل في ذلك طاعة الله وطاعة رسوله بامتثال أوامرهما ، واجتناب نواهيهما ، وتصديق ما أخبرا به ، والوقوف عند حدود الشرع. والعبرة في ذلك على الإخلاص والإحسان ، فلهذا قال : (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) فيعلم تعالى أعمالهم ، وعلى أي وجه صدرت ، فيجازيهم على حسب علمه بما في صدورهم.
[١٤] يخبر تعالى عن شناعة حال المنافقين الّذين يتولون الكافرين ، من اليهود والنصارى وغيرهم ممن غضب الله عليهم ، ونالوا من لعنة الله أوفى نصيب ، وأنهم ليسوا من المؤمنين ولا من الكافرين ، (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ). فليسوا مؤمنين ظاهرا وباطنا لأن باطنهم مع الكفار ، ولا مع الكفار ظاهرا وباطنا لأن ظاهرهم مع المؤمنين ، وهذا وصفهم الذي نعتهم الله به ، والحال أنهم يحلفون على الذي هو الكذب ، فيحلفون أنهم مؤمنون ، والحال أنهم ليسوا مؤمنين. فجزاء هؤلاء الخونة الفجرة الكذبة ، أن الله أعد لهم عذابا شديدا ، لا يقادر قدره ، ولا يعلم وصفه ، وإنهم ساء ما كانوا يعملون ، حيث عملوا بما يسخط الله ، ويوجب لهم العقوبة واللعنة.
[١٦] (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) ، أي : ترسا ووقاية ، يتقون بها من لوم الله ورسوله والمؤمنين ، فبسبب ذلك ، صدوا أنفسهم وغيرهم (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن سبيل الله ، وهو الصراط الذي من سلكه ، أفضى به إلى جنات النعيم ، ومن صدّ عنه ، فليس إلا الصراط الموصل إلى الجحيم. (فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) حيث إنهم لما استكبروا عن