كفرا وطغيانا. (وَاغْفِرْ لَنا) ما اقترفنا من الذنوب والسيئات ، وما قصرنا به من المأمورات. (رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) القاهر لكل شيء. (الْحَكِيمُ) الذي يضع الأشياء مواضعها ، فبعزتك وحكمتك انصرنا على أعدائنا ، واغفر لنا ذنوبنا ، وأصلح عيوبنا.
[٦] ثمّ كرر الحث على الاقتداء بهم ، قال : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ). وليس كلّ أحد ، تسهل عليه هذه الأسوة ، وإنّما تسهل (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) فإن الإيمان ، واحتساب الأجر والثواب ، يسهل على العبد كل عسير ، ويقلل لديه كلّ كثير ، ويوجب له الاقتداء بعباد الله الصالحين ، والأنبياء والمرسلين ، فإنه يرى نفسه مفتقرا مضطرّا إلى ذلك غاية الاضطرار. (وَمَنْ يَتَوَلَ) عن طاعة الله والتأسي برسل الله ، فلن يضر إلّا نفسه ، ولا يضر الله شيئا. (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ) الذي له الغنى التام المطلق ، من جميع الوجوه ، فلا يحتاج إلى أحد من خلقه بوجه من الوجوه. (الْحَمِيدُ) في ذاته وصفاته وأفعاله ، فإنه محمود على ذلك كله.
[٧] ثمّ أخبر تعالى أن هذه العداوة ، الّتي أمر بها المؤمنين للمشركين ، ووصفهم بالقيام بها أنهم ما داموا على شركهم وكفرهم ، وأنهم إن انتقلوا إلى الإيمان ، فإن الحكم يدور مع علته ، والمودة الإيمانية ترجع. فلا تيأسوا أيها المؤمنون من رجوعهم إلى الإيمان. ف (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) سببها رجوعهم إلى الإيمان. (وَاللهُ قَدِيرٌ) على كلّ شيء ، ومن ذلك ، هداية القلوب ، وتقليبها من حال إلى حال. (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لا يتعاظمه ذنب أن يغفره ، ولا عيب أن يستره ، (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٥٣). وفي هذه الآية إشارة وبشارة بإسلام بعض المشركين ، الّذين كانوا إذ ذاك أعداء للمؤمنين ، وقد وقع ذلك ، ولله الحمد والمنة.
[٨] ولما نزلت هذه الآيات الكريمات ، المهيجة على عداوة الكافرين ، وقعت من المؤمنين كلّ موقع ، وقاموا بها أتم القيام ، وتأثموا من صلة بعض أقاربهم المشركين وظنوا أن ذلك داخل فيما نهى الله عنه. فأخبرهم الله أن ذلك لا يدخل في المحرم ، فقال : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٨) ، أي : لا ينهاكم الله عن البر والصلة ، والمكافأة بالمعروف ، والقسط للمشركين ، من أقاربكم وغيرهم ، حيث كانوا بحال لم ينصبوا لقتالكم في الدين ، والإخراج من دياركم. فليس عليكم جناح أن تصلوهم ، فإن صلتهم في هذه الحالة ، لا محذور فيها ولا تبعة ، كما قال تعالى في الأبوين الكافرين ، إذا كان ولدهما مسلما : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً).
[٩] وقوله : (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ) ، أي : لأجل دينكم ، عداوة لدين الله ، ولمن قام به. (وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا) ، أي : عاونوا غيرهم (عَلى إِخْراجِكُمْ). نهاكم الله (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) بالنصر والمودة ، بالقول والفعل. وأما بركم وإحسانكم ، الذي ليس بتولّ للمشركين ، فلم ينهكم الله عنه ، بل ذلك داخل في عموم الأمر بالإحسان إلى الأقارب وغيرهم من الآدميين ، وغيرهم. (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ، وذلك الظلم يكون بحسب التولّي. فإن كان تولّيا