خفي على المؤمنين ، فلا يخفى على الله تعالى ، وسيجازي العباد بما يعلمه منهم ، من الخير والشر. (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ) ، أي : موالاة الكافرين بعد ما حذركم الله منها (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) ، لأنه سلك مسلكا مخالفا للشرع وللعقل ، والمروءة الإنسانية.
[٢] ثمّ بين تعالى شدة عداوتهم ، تهييجا للمؤمنين على عداوتهم ، فقال : (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ) ، أي : يجدوكم ، وتسنح لهم الفرصة في أذاكم. (يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً) ظاهرين (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) بالقتل والضرب ، ونحو ذلك. (وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) ، أي : بالقول الذي يسوء ، من شتم وغيره. (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) فإن هذا غاية ما يريدون منكم.
[٣] فإن احتججتم وقلتم نوالي الكفار ، لأجل القرابة والأموال (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ) من الله شيئا (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). فلذلك حذركم من موالاة الكافرين الّذين تضركم موالاتهم.
[٤] (قَدْ كانَتْ لَكُمْ) يا معشر المؤمنين (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ، أي : قدوة صالحة وائتمام ينفعكم. (فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) من المؤمنين ، لأنكم قد أمرتم أن تتبعوا ملة إبراهيم حنيفا. (إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ، أي : إذ تبرأ إبراهيم عليهالسلام ، ومن معه من المؤمنين ، من قومهم المشركين ، ومما يعبدون من دون الله. ثمّ صرحوا بعداوتهم غاية التصريح ، فقالوا : (كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا) ، أي : ظهر وبان (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ) أي : البغض بالقلوب ، وزوال مودتها ، والعداوة بالأبدان ، وليس لتلك العداوة والبغضاء وقت ولا حدّ ، بل ذلك (أَبَداً) ما دمتم مستمرين على كفركم (حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) ، أي : فإذا آمنتم بالله وحده ، زالت العداوة والبغضاء ، وانقلبت مودة وولاية. فلكم أيها المؤمنون أسوة حسنة في إبراهيم ومن معه في القيام بالإيمان والتوحيد ، ولوازم ذلك ومقتضياته ، وفي كلّ شيء تعبدوا به الله وحده. (إِلَّا) في خصلة واحدة وهي (قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ) آزر المشرك ، الكافر المعاند ، حين دعاه إلى الإيمان والتوحيد ، فامتنع فقال إبراهيم له : (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَ) الحال أني (ما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) ، لكني أدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا. فليس لكم أن تقتدوا بإبراهيم ، في هذه الحالة ، الّتي دعا بها للمشرك. فليس لكم أن تدعوا للمشركين ، وتقولوا : إنا في ذلك متبعون لملة إبراهيم ، فإن الله ذكر عذر إبراهيم في ذلك بقوله : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) ، الآية. ولكم أسوة حسنة في إبراهيم ومن معه ، حين دعوا الله وتوكلوا عليه وأنابوا إليه ، واعترفوا بالعجز والتقصير ، فقالوا : (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا) ، أي : اعتمدنا عليك في جلب ما ينفعنا ، ودفع ما يضرنا ، ووثقنا بك يا ربنا في ذلك. (وَإِلَيْكَ أَنَبْنا) ، أي : رجعنا إلى طاعتك ومرضاتك ، وجميع ما يقرب إليك ، فنحن في ذلك ساعون ، وبفعل الخيرات مجتهدون ، ونعلم أنا إليك نصير ، فنستعد للقدوم عليك ، ونعمل ما يزلفنا إليك.
[٥] (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) ، أي : لا تسلطهم علينا بذنوبنا ، فيفتنونا ، ويمنعونا مما يقدرون عليه من أمور الإيمان ، ويفتنون أيضا بأنفسهم ، فإنهم إذا رأوا لهم الغلبة ، ظنوا أنهم على الحقّ ، وأنا على الباطل ، فازدادوا