وزخرفة. حتى إن أهل الغرف من أهل عليين ، يتراءاهم أهل الجنة ، كما يتراءى الكوكب الدري في الأفق الشرقي ، أو الغربي. وحتى إن بناء الجنة بعضه من لبن ذهب ، وبعضه من لبن فضة ، وخيامها من اللؤلؤ والمرجان ، وبعض المنازل من الزمرد ، والجواهر الملونة بأحسن الألوان ، حتى إنها من صفائها يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، وفيها من الطيب والحسن ما لا يأتي عليه وصف الواصفين ، ولا خطر على قلب أحد من العالمين ، لا يمكن أن يدركوه حتى يروه ، ويتمتعوا بحسنه وتقرّ به أعينهم. ففي تلك الحالة ، لولا أن الله خلق أهل الجنة ، وأنشأهم نشأة كاملة ، لا تقبل العدم ، لأوشك أن يموتوا من الفرح ، فسبحان من لا يحصي أحد من خلقه ، ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، وفوق ما يثني عليه أحد من خلقه. وتبارك الجليل الجميل ، الذي أنشأ دار النعيم ، وجعل فيها من الجلال والجمال ما يبهر عقول الخلق ، ويأخذ بأفئدتهم. وتعالى من له الحكمة التامة ، الذي من جملتها ، أنه لو رأى العباد الجنة ، ونظروا إلى ما فيها من النعيم لما تخلف عنها أحد ، ولما هنأهم العيش في هذه الدار المنغصة المشوب نعيمها بألمها ، وفرحها بترحها. وسميت جنة عدن ، لأن أهلها مقيمون فيها ، لا يخرجون منها أبدا ، ولا يبغون عنها حولا ، ذلك الثواب الجزيل ، والأجر الجميل ، هو الفوز العظيم ، الذي لا فوز مثله ، فهذا الثواب الأخروي.
[١٣] وأما الثواب الدنيوي لهذه التجارة ، فذكره بقوله : (وَأُخْرى تُحِبُّونَها) ، أي : يحصل لكم خصلة أخرى تحبونها ، وهي : (نَصْرٌ مِنَ اللهِ) لكم على الأعداء ، يحصل به العز والفرح. (وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) تتسع به دائرة الإسلام ، ويحصل به الرزق الواسع ، فهذا جزاء المؤمنين المجاهدين. وأما المؤمنون من غير أهل الجهاد ، إذا قام غيرهم بالجهاد ، فلم يؤيسهم الله تعالى من فضله وإحسانه ، بل قال : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) ، أي : بالثواب العاجل والآجل كلّ على حسب إيمانه ، وإن كانوا لا يبلغون مبلغ المجاهدين في سبيل الله ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا ، وجبت له الجنة». فعجب لها أبو سعيد الخدري ، راوي الحديث ، فقال : أعدها عليّ يا رسول الله ، فأعادها عليه. ثمّ قال : «وأخرى يرفع بها العبد مائة درجة في الجنة ، ما بين كلّ درجتين كما بين السماء والأرض» ، فقال : وما هي يا رسول الله؟ قال : «الجهاد في سبيل الله» رواه مسلم.
[١٤] ثمّ قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ) ، أي : بالأقوال والأفعال ، وذلك بالقيام بدين الله ، والحرص على تنفيذه على الغير ، وجهاد من عانده ونابذه ، بالأبدان والأموال ، وجهاد من نصر الباطل بما يزعمه من العلم ورد الحقّ ، بدحض حجته ، وإقامة الحجة عليه ، والتحذير منه. ومن نصر دين الله ، تعلّم كتاب الله وسنة رسوله ، والحث على ذلك ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثمّ هيج الله المؤمنين بالاقتداء بمن قبلهم من الصالحين بقوله : (كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) ، أي : قال لهم منبها : من يعاونني ، ويقوم معي في نصر دين الله ، ويدخل مدخلي ، ويخرج مخرجي؟ فابتدر الحواريون فقالوا : (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) فمضى عيسى عليهالسلام ، على نصر دين الله ، هو ومن معه من الحواريين. (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) بسبب دعوة عيسى