يلحقهم فيها أحد. وهم الأمة الأمية الّذين فاقوا الأولين والآخرين ، حتى أهل الكتاب ، الّذين يزعمون أنهم العلماء الربانيون ، والأحبار المتقدمون ، ذكر أن الّذين حملهم الله التوراة من اليهود والنصارى ، وأمرهم أن يتعلموها ، ويعملوا بها فلم يحملوها ولم يقوموا بما حملوا به أنهم لا فضيلة لهم ، وأن مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل فوق ظهره أسفارا من كتب العلم ، فهل يستفيد الحمار من تلك الكتب الّتي فوق ظهره؟ وهل تلحقه فضيلة بسبب ذلك؟ أم حظه منها حملها فقط؟ فهذا مثل علماء أهل الكتاب ، الّذين لم يعملوا بما في التوراة ، الذي من أجله وأعظمه الأمر باتباع محمد صلىاللهعليهوسلم ، والبشارة به ، والإيمان بما جاء به من القرآن ، فهل استفاد من هذا وصفه ، من التوراة إلّا الخيبة والخسران ، وإقامة الحجة عليه؟ فهذا المثل مطابق لأحوالهم. (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) الدالة على صدق رسولنا وصحة ما جاء به. (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، أي : لا يرشدهم إلى مصالحهم ، ما دام الظلم لهم وصفا ، والعناد لهم نعتا.
[٦] ومن ظلم اليهود وعنادهم ، أنهم يعلمون أنهم على باطل ، ويزعمون أنهم على حق ، وأنهم أولياء الله من دون الناس. ولهذا أمر الله رسوله أن يقول لهم : إن كنتم صادقين في زعمكم ، أنكم على الحقّ ، وأولياء الله : (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) وهذا أمر خفيف ، فإنهم لو علموا أنهم على حق لما توقفوا عن هذا التحدي الذي جعله الله دليلا على صدقهم إن تمنوه ، وكذبهم إن لم يتمنوه.
[٧] ولما لم يقع منهم ، مع الإعلان لهم بذلك ، علم أنهم عالمون ببطلان ما هم عليه وفساده ، ولهذا قال : (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) ، أي : من الذنوب والمعاصي ، الّتي يستوحشون من الموت من أجلها. (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) فلا يمكن أن يخفى عليه من ظلمهم شيء.
[٨] هذا وإن كانوا لا يتمنون الموت بما قدمت أيديهم ، بل يفرون منه غاية الفرار ، فإن ذلك لا ينجيهم ، بل لا بد أن يلاقيهم الموت الذي قد حتمه الله على العباد. ثمّ بعد الموت واستكمال الآجال ، يرد الخلق كلهم يوم القيامة ، إلى عالم الغيب والشهادة ، فينبئهم بما كانوا يعملون ، من خير وشر ، قليل وكثير.
[٩] يأمر تعالى عباده المؤمنين بالحضور لصلاة الجمعة ، والمبادرة إليها من حين ينادى إليها والسعي إليها ، والمراد بالسعي هنا : المبادرة والاهتمام ، وجعلها أهم الأشغال : لا البيع الذي قد نهى عنه عند المضي إلى الصلاة. وقوله : (وَذَرُوا الْبَيْعَ) ، أي : اتركوا البيع ، إذا نودي للصلاة وامضوا إليها. فإن (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) من اشتغالكم بالبيع ، أو تفويتكم لصلاة الفريضة ، الّتي هي من آكد الفروض. (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ، أي : ما عند الله خير وأبقى ، وأن من آثر الدنيا على الدين ، فقد خسر الخسارة الحقيقية ، من حيث يظن أنه يربح ، وهذا الأمر بترك البيع ، مؤقت مدة الصلاة.
[١٠] (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) لطلب المكاسب والتجارات ، ولما كان الاشتغال بالتجارة ، مظنة الغفلة عن ذكر الله ، أمر الله بالإكثار من ذكره ، لينجبر بهذا ، فقال : (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) ، أي : في حال قيامكم وقعودكم ، وعلى جنوبكم. (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، فإن الإكثار من ذكر الله أكبر أسباب الفلاح.