بأنفسهم ، وصدوا غيرهم ممن يخفى عليه حالهم. (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) حيث أظهروا الإيمان ، وأبطنوا الكفر ، وأقسموا على ذلك ، وأوهموا صدقهم.
[٣] (ذلِكَ) الذي زين لهم النفاق (ب) سبب (أنهم) لا يثبتون على الإيمان. بل (آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) بحيث لا يدخلها الخير أبدا. (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) ما ينفعهم ، ولا يعون ما يعود بمصالحهم.
[٤] (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) من روائها ، ونضارتها. (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) ، أي : من حسن منطقهم ، تستلذ لاستماعه. فأجسامهم وأقوالهم معجبة ، ولكن ليس وراء ذلك من الأخلاق الفاضلة ، والهدى الصالح ، شيء ، ولهذا قال : (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) لا منفعة فيها ، ولا ينال منها إلا الضرر المحض. (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) وذلك لجبنهم وفزعهم ، وضعف قلوبهم وريبها ، يخافون أن يطلع عليها. فهؤلاء (هُمُ الْعَدُوُّ) على الحقيقة ، لأن العدو البارز المتميز ، أهون من العدو ، الذي لا يشعر به ، وهو مخادع ماكر ، يزعم أنه وليّ ، وهو العدو المبين. (فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) ، أي : كيف يصرفون عن الدين الإسلامي بعد ما تبينت أدلته ، واتضحت معالمه ، إلى الكفر الذي لا يفيدهم ، إلّا الخسار والشقاء.
[٥] (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) ، أي : لهؤلاء المنافقين (تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ) عما صدر منكم ، لتحسن أحوالكم ، وتقبل أعمالكم ، امتنعوا من ذلك أشد الامتناع. (لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) امتناعا من طلب الدعاء من الرسول. (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ) عن الحقّ ، بغضا له (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) عن اتباعه بغيا وعنادا. فهذه حالهم ، عند ما يدعون إلى طلب الدعاء من الرسول ، وهذا من لطف الله وكرامته لرسوله ، حيث لم يأتوا إليه ، فيستغفر لهم.
[٦] فإنه (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) وذلك لأنهم قوم فاسقون ، خارجون عن طاعة الله ، مؤثرون للكفر على الإيمان ، فلذلك لا ينفع فيهم استغفار الرسول ، لو استغفر لهم كما قال تعالى : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) ، ... (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ).
[٧] وهذا من شدة عداوتهم للنبي صلىاللهعليهوسلم ، والمسلمين ، لما رأوا اجتماع أصحابه ، وائتلافهم ، ومسارعتهم في مرضاة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، قالوا بزعمهم الفاسد : (لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) فإنهم ـ على زعمهم ـ لو لا أموال المنافقين ونفقاتهم عليهم ، لما اجتمعوا في نصرة دين الله. وهذا من أعجب العجب ، أن يدعي هؤلاء المنافقون ، الّذين هم أحرص الناس على خذلان الدين ، وأذية المسلمين ، مثل هذه الدعوى ، الّتي لا تروج إلّا على من لا علم له بالحقائق. ولهذا قال تعالى ، ردا لقولهم : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، فيؤتي الرزق من يشاء ، ويمنعه من يشاء ، وييسر الأسباب لمن يشاء ، ويعسرها على من يشاء. (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) فلذلك قالوا تلك المقالة ، الّتي مضمونها أن خزائن الرزق في أيديهم ، وتحت مشيئتهم.
[٨] (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) وذلك في غزوة المريسيع ، حين صار بين بعض المهاجرين والأنصار بعض كلام ، كدر الخواطر ، ظهر حينئذ نفاق المنافقين ، وتبين ما في قلوبهم. وقال كبيرهم ، عبد الله بن أبيّ ابن سلول : ما مثلنا ، ومثل