طعام لذيذ ، وشراب شهيّ. (هَنِيئاً) ، أي : تاما كاملا ، من غير مكدر ، ولا منغص. وذلك الجزاء حاصل لكم (بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) من الأعمال الصالحة ، من صلاة ، وصيام ، وصدقة ، وحج ، وإحسان إلى الخلق ، وذكر الله ، وإنابة إليه ، وترك الأعمال السيئة. فالأعمال جعلها الله سببا لدخول الجنة ، ومادة لنعيمها ، وأصلا لسعادتها.
[٢٥] هؤلاء هم أهل الشقاء ، يعطون كتبهم المشتملة على أعمالهم السيئة بشمالهم ، تمييزا لهم ، وخزيا ، وعارا ، وفضيحة. فيقول أحدهم من الهم ، والغم ، والحزن : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) لأنه يبشر بدخول النار ، والخسارة الأبدية.
[٢٦] (وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) (٢٦) ، أي : ليتني كنت نسيا منسيا ، ولم أبعث وأحاسب ، ولهذا قال :
[٢٧] (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) (٢٧) ، أي : يا ليت موتتي هي الموتة ، الّتي لا بعث بعدها.
[٢٨] ثمّ التفت إلى ماله وسلطانه ، فإذا هو وبال عليه ، لم يقدم منه لآخرته ، ولا ينفعه لو افتدى به من العذاب شيئا ، فيقول : (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) (٢٨) ، أي : ما نفعني في الدنيا ، لأني لم أقدم منه شيئا ، ولا في الآخرة ، قد ذهب وقت نفعه.
[٢٩] (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) (٢٩) ، أي : ذهب واضمحل ، فلم تنفع الجنود ولا الكثرة ، ولا العدد ولا العدد ، ولا الجاه العريض ، بل ذهب كله أدراج الرياح ، وفاتت بسببه المتاجر والأرباح ، وحضرت بدله الهموم والغموم والأتراح.
[٣٠] فحينئذ يؤمر بعذابه فيقال للزبانية الغلاظ الشداد : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) (٣٠) ، أي : اجعلوا في عنقه غلا يخنقه.
[٣١] (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) (٣١) ، أي : قلبوه على جمرها ولهبها.
[٣٢] (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً) من سلاسل الجحيم في غاية الحرارة ، (فَاسْلُكُوهُ) ، أي : انظموه فيها بأن تدخل في دبره ، وتخرج من فمه ، ويعلق فيها. فلا يزال يعذب هذا العذاب الفظيع ، فبئس العذاب والعقاب ، ووا حسرة له من التوبيخ والعتاب ، فإن السبب الذي أوصله إلى هذا المحل :
[٣٣] (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ) (٣٣) ، بأن كان كافرا بربه ، معاندا لرسله ، رادّا ما جاءوا به من الحقّ.
[٣٤] (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (٣٤) ، أي : ليس في قلبه رحمة ، يرحم بها الفقراء والمساكين ، فلا يطعمهم من ماله ، ولا يحض غيره على إطعامهم ، لعدم الوازع في قلبه. وذلك لأن مدار السعادة ومادتها أمران : الإخلاص لله ، الذي أصله الإيمان بالله ، والإحسان إلى الخلق ، بجميع وجوه الإحسان ، الّتي من أعظمها ، دفع ضرورة المحتاجين ، بإطعامهم ما يتقوتون به ، وهؤلاء لا إخلاص ولا إحسان ، فلذلك استحقوا ما استحقوا.
[٣٥] (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا) ، أي : يوم القيامة (حَمِيمٌ) ، أي : قريب أو صديق ، يشفع له ، لينجو من عذاب الله ، أو يفوز بثوابه : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) ، (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ).
[٣٦] (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) (٣٦) وهو صديد أهل النار ، الذي هو في غاية الحرارة والمرارة ، ونتن الريح ، وقبح الطعم.
[٣٧] لا يأكل هذا الطعام الذميم (إِلَّا الْخاطِؤُنَ) الّذين أخطأوا الصراط المستقيم ، وسلكوا كلّ طريق يوصلهم إلى الجحيم ، فلذلك استحقوا العذاب الأليم.
[٣٨] أقسم تعالى ، بما يبصر الخلق من جميع الأشياء ، وما لا يبصرونه.
[٣٩ ـ ٤٢] فدخل في ذلك كلّ الخلق ،