المقدر ، أو نقص. (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) ، أي : مما تعرفون ، ولا يشق عليكم ، ولهذا كان المصلي بالليل ، مأمورا بالصلاة ، ما دام نشيطا ، فإذا فتر ، أو كسل ، أو نعس ، فليسترح ، ليأتي الصلاة بطمأنينة وراحة. ثمّ ذكر بعض الأسباب المناسبة للتخفيف ، فقال : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) يشق عليهم صلاة نصف الليل ، أو ثلثيه ، أو ثلثه ، فليصل المريض ، ما يسهل عليه ، ولا يكون أيضا مأمورا بالصلاة قائما ، عند مشقة ذلك ، بل لو شقت عليه الصلاة النافلة ، فله تركها وله أجر ما كان يعمل صحيحا. (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ) ، أي : وعلم أن منكم مسافرين ، يسافرون للتجارة ، ليستغنوا عن الخلق ، ويتكففوا عنهم ، أي : فالمسافر ، حاله تناسب التخفيف ، ولهذا خفف عنه في صلاة الفرض ، فأبيح له جمع الصلاتين في وقت واحد ، وقصر الصلاة الرباعية. (وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) ، فذكر تعالى تخفيفين ، تخفيفا للصحيح المقيم ، يراعي فيه نشاطه ، من غير أن يكلف عليه تحرير الوقت ، بل يتحرى الصلاة الفاضلة ، وهي ثلث الليل بعد نصفه الأول. وتخفيفا للمريض والمسافر ، سواء كان سفره للتجارة ، أو لعبادة ، من جهاد ، أو حج ، أو غيره ، فإنه يراعي ما لا يكلفه. فلله الحمد والثناء ، حيث لم يجعل علينا في الدين من حرج ، بل سهل شرعه ، وراعى أحوال عباده ، ومصالح دينهم ، وأبدانهم ودنياهم. ثمّ أمر العباد بعبادتين ، هما أم العبادات وعمادها : إقامة الصلاة ، الّتي لا يستقيم الدين إلا بها ، وإيتاء الزكاة الّتي هي برهان الإيمان ، وبها تحصل المواساة للفقراء والمساكين ، فقال : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) ، أي : بأركانها وحدودها ، وشروطها ، وجميع مكملاتها. (وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) ، أي : خالصا لوجه الله ، بنية صادقة ، وتثبيت من النفس ، ومال طيب ، ويدخل في هذا ، الصدقة الواجبة والمستحبة. ثمّ حث على عموم الخير ، وأفعاله ، فقال : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) ، الحسنة بعشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة. وليعلم أن مثقال ذرة في هذه الدار من الخير ، يقابله أضعاف أضعاف الدنيا ، وما عليها في دار النعيم المقيم ، من اللذات والشهوات. وإن الخير والبر في هذه الدنيا ، مادة الخير والبر في دار القرار ، وبذره وأصله وأساسه ، فوا أسفاه على أوقات مضت في الغفلات ، ووا حسرتاه على أزمان انقضت في غير الأعمال الصالحات ، ووا غوثاه من قلوب لم يؤثر فيها وعظ بارئها ، ولم ينجع فيها تشويق من هو أرحم بها من نفسها. فلك اللهم الحمد ، وإليك المشتكى ، وبك المستغاث ، ولا حول ولا قوة إلا بك. (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وفي الأمر بالاستغفار ، بعد الحث على أفعال الطاعة والخير ، فائدة كبيرة. وذلك أن العبد لا يخلو من التقصير فيما أمر به ، إما أن لا يفعله أصلا أو يفعله على وجه ناقص. فأمر بترقيع ذلك بالاستغفار ، فإن العبد يذنب آناء الليل ، والنهار ، فمتى لم يتغمده الله برحمته ، ومغفرته ، فإنه هالك. تم تفسير سورة المزمل ـ والحمد.