المعاندون له ويسبونه ، ويسبون ما جاء به ، وأن يمضي على أمر الله ، لا يصده عنه صاد ، ولا يرده راد ، وأن يهجرهم هجرا جميلا ، وهو الهجر ، حيث اقتضت المصلحة الهجر ، الذي لا أذية فيه ، بل يعاملهم بالهجر والإعراض عن أقوالهم الّتي تؤذيه ، وأمره بجدالهم بالتي هي أحسن.
[١١] (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) ، أي : اتركني وإياهم ، فسأنتقم منهم ، وإن أمهلتهم ، فلا أهملهم. وقوله : (أُولِي النَّعْمَةِ) ، أي : أصحاب النعمة والغنى ، الّذين طغوا حين وسع الله عليهم من رزقه ، وأمدهم من فضله كما قال تعالى : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) (٧).
[١٢] ثمّ توعدهم بما عنده من العقاب ، فقال : (إِنَّ لَدَيْنا) إلى (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ). أي : إن عندنا (أَنْكالاً) ، أي : عذابا شديدا ، جعلناه تنكيلا للذي لا يزال مستمرا على ما يغضب الله. (وَجَحِيماً) ، أي : نارا حامية
[١٣] (وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ) وذلك لمرارته وبشاعته ، وكراهة طعمه وريحه الخبيث المنتن. (وَعَذاباً أَلِيماً) ، أي : موجعا مفظعا ، وذلك
[١٤] (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) من الهول العظيم. (وَكانَتِ الْجِبالُ) الراسيات الصم الصلاب (كَثِيباً مَهِيلاً) ، أي : بمنزله الرمل المنهال المنتثر ، ثمّ إنها تبس بعد ذلك ، فتكون كالهباء المنثور.
[١٥] يقول تعالى : احمدوا ربكم ، على إرساله هذا النبي الأمي العربي البشير النذير ، الشاهد على الأمة بأعمالهم ، واشكروه ، وقوموا بهذه النعمة الجليلة.
[١٦] وإياكم أن تكفروا ، فتعصوا رسولكم ، فتكونوا كفرعون ، حين أرسل الله إليه موسى بن عمران ، فدعاه إلى الله ، وأمره بالتوحيد ، فلم يصدقه ، بل عصاه ، فأخذه الله أخذا وبيلا ، أي : شديدا بليغا.
[١٧ ـ ١٨] أي : فكيف يحصل لكم الفكاك والنجاة يوم القيامة ، اليوم المهول أمره ، العظيم خطره ، الذي يشيب الولدان ، وتذوب له الجمادات العظام ، فتتفطر السماء وتنتثر نجومها (كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً) ، أي : لا بد من قوعه ، ولا حائل دونه.
[١٩] أي : إن هذه الموعظة الّتي نبأ الله بها من أحوال يوم القيامة وأهوالها تذكرة يتذكر بها المتقون ، وينزجر بها المؤمنون. (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) ، أي : طريقا موصلا إليه ، وذلك باتباع شرعه ، فإنه قد أبانه كلّ البيان ، وأوضحه غاية الإيضاح. وفي هذا دليل على أن الله تعالى أقدر العباد على أفعالهم ، ومكّنهم منها ، لا كما يقوله الجبرية : إن أفعالهم تقع بغير مشيئتهم ، فإن هذا خلاف النقل والعقل.
[٢٠] ذكر الله في أول هذه السورة أنه أمر رسوله بقيام نصف الليل ، وثلثيه ، أو ثلثه ، والأصل أن أمته أسوة له في الأحكام. وذكر في هذا الموضع ، أنه امتثل ذلك ، هو وطائفة معه من المؤمنين. ولما كان تحرير الوقت المأمور به ، مشقة على الناس ، أخبر أنه سهل عليهم في ذلك غاية التسهيل ، فقال : (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) ، أي : يعلم مقاديرهما ، وما يمضي ، ويبقى منهما. (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) ، أي : لن تعرفوا مقداره من غير زيادة ولا نقص ، لكون ذلك يستدعي انتباها ، وعناء زائدا. (فَتابَ عَلَيْكُمْ) ، أي : فخفف عنكم ، وأمركم بما تيسر عليكم ، سواء زاد على