إثما ومعصية (أَوْ كَفُوراً) ، فإن طاعة الكفار والفجار والفساق ، لا بد أن تكون معصية لله ، فإنهم لا يأمرون إلا بما تهواه أنفسهم.
[٢٥] ولما كان الصبر يستمد من القيام بطاعة الله ، والإكثار من ذكره ، أمر الله بذلك ، فقال : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (٢٥) ، أي : أول النهار وآخره ، فدخل في ذلك الصلوات المكتوبات وما يتبعها من النوافل ، والذكر ، والتسبيح ، والتهليل ، والتكبير في هذه الأوقات.
[٢٦] (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) ، أي : أكثر له من السجود ، وذلك متضمن لكثرة الصلاة. (وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) ، وقد تقدم تقييد هذا المطلق بقوله : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ).
[٢٧] وقوله : (إِنَّ هؤُلاءِ) ، أي : المكذبين لك أيها الرسول ، بعد ما بينت لهم الآيات ، ورغبوا ورهبوا ، ومع ذلك ، لم يفد فيهم ذلك شيئا بل لا يزالون (يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) ويطمئنون إليها. (وَيَذَرُونَ) ، أي : يتركون العمل ، ويهملون (وَراءَهُمْ) أي : أمامهم (يَوْماً ثَقِيلاً) وهو يوم القيامة ، الذي مقداره خمسون ألف سنة مما تعدون. وقال تعالى : (يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ). فكأنهم ما خلقوا إلا للدنيا ، والإقامة فيها.
[٢٨] ثم استدل عليهم وعلى بعثهم بدليل عقلي ، وهو دليل الابتداء ، فقال : (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ) ، أي : أوجدناهم من العدم (وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) ، أي : أحكمنا خلقتهم بالأعصاب ، والعروق ، والأوتار ، والقوى الظاهرة والباطنة ، حتى تم الجسم واستكمل ، وتمكن من كل ما يريده. فالذي أوجدهم على هذه الحالة ، قادر على أن يعيدهم بعد موتهم ، لجزائهم ، والذي نقلهم في هذه الدار إلى هذه الأطوار ، لا يليق به أن يتركهم سدى ، لا يؤمرون ، ولا ينهون ، ولا يثابون ، ولا يعاقبون ، ولهذا قال : (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) ، أي : أنشأناهم للبعث نشأة أخرى ، وأعدناهم بأعيانهم ، وهم بأنفسهم أمثالهم.
[٢٩] (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ) ، أي : يتذكر بها المؤمن ، فينتفع بما فيها ، من التخويف والترغيب. (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) ، أي : طريقا موصلا إليه. فالله ، يبين الحق والهدى ، ثم يخير الناس بين الاهتداء بها ، والنفور عنها ، إقامة للحجة (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)
[٣٠] (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) فإن مشيئة الله نافذة. (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) فله الحكمة في هداية المهتدي ، وإضلال الضال.
[٣١] (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) فيختصه بعنايته ، ويوفقه لأسباب السعادة ويهديه لطرقها. (وَالظَّالِمِينَ) الذين اختاروا الشقاء على الهدى (أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) بظلمهم وعدوانهم. تم تفسير سورة الإنسان ـ ولله الحمد.