المذكورة على قدر ريّهم ، لا تزيد ولا تنقص ، لأنها لو زادت نقصت لذتها ، ولو نقصت لم تكفهم لريهم. ويحتمل أن المراد : قدرها أهل الجنة بمقدار ، يوافق لذاتهم ، فأتتهم على ما قدروا في خواطرهم.
[١٧] (وَيُسْقَوْنَ فِيها) ، أي : الجنة (كَأْساً) وهو الإناء من خمر ورحيق ، (كانَ مِزاجُها) ، أي : خلطها (زَنْجَبِيلاً) ليطيب طعمه وريحه.
[١٨] (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) (١٨) سميت بذلك لسلاستها ولذتها وحسنها.
[١٩] (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ) ، أي : على أهل الجنة ، في طعامهم وشرابهم وخدمتهم. (وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) ، أي : خلقوا من الجنة للبقاء ، لا يتغيرون ولا يكبرون ، وهم في غاية الحسن. (إِذا رَأَيْتَهُمْ) منتشرين في خدمتهم (حَسِبْتَهُمْ) من حسنهم (لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) وهذا من تمام لذة أهل الجنة ، أن يكون خدامهم الولدان المخلدون ، الّذين تسر رؤيتهم ، ويدخلون في مساكنهم ، آمنين من تبعتهم ، ويأتونهم بما يدعون ، وتطلبه نفوسهم.
[٢٠] (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَ) ، أي : رمقت ما أهل الجنة عليه من النعيم الكامل. (رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) فتجد الواحد منهم ، عنده من المساكن والغرف المزينة المزخرفة ، ما لا يدركه الوصف. ولديه من البساتين الزاهرة ، والثمار الدانية ، والفواكه اللذيذة ، والأنهار الجارية ، والرياض المعجبة ، والطيور المطربة المشجية ، ما يأخذ بالقلوب ، ويفرح النفوس. وعنده من الزوجات ، اللاتي في غاية الحسن والإحسان ، الجامعات لجمال الظاهر والباطن ، الخيرات الحسان ، ما يملأ القلب سرورا ، ولذة وحبورا. وحوله من الولدان المخلدين ، والخدم المؤبدين ، ما به تحصل الراحة والطمأنينة ، وتتم لذة العيش ، وتكمل الغبطة. ثمّ علاوة ذلك ومعظمه ، الفوز برضا الرب الرحيم ، وسماع خطابه ، ولذة قربه ، والابتهاج برضاه ، والخلود الدائم ، وتزايد ما هم فيه من النعيم ، كل وقت وحين. فسبحان مالك الملك ، الحقّ المبين ، الذي لا تنفد خزائنه ، ولا يقل خيره ، فكما لا نهاية لأوصافه ، فلا نهاية لبره وإحسانه.
[٢١] (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ) ، أي : قد جللتهم ثياب السندس والإستبرق الأخضران اللذان هما أجلّ أنواع الحرير ، فالسندس : ما غلظ من الحرير ، والإستبرق : ما رقّ منه. (وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) ، أي : حلوا في أيديهم أساور ، ذكورهم وإناثهم ، وهذا وعد وعدهم الله ، وكان وعده مفعولا ، لأنه لا أصدق منه قيلا ولا حديثا. وقوله : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) ، أي : لا كدر فيه بوجه من الوجوه ، مطهرا لما في بطونهم من كلّ أذى وقذى.
[٢٢] (إِنَّ هذا) الجزاء الجزيل (كانَ لَكُمْ جَزاءً) على ما أسلفتموه ، من الأعمال. (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) أي : القليل منه ، يجعل الله لكم به ، من النعيم ، ما لا يمكن حصره.
[٢٣] وقوله تعالى لما ذكر نعيم الجنة (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) (٢٣) ، وفيه الوعد والوعيد ، وبيان كلّ ما يحتاجه العباد. وفيه الأمر بالقيام بأوامره وشرائعه أتمّ القيام ، والسعي في تنفيذها ، والصبر على ذلك.
[٢٤] ولهذا قال : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) (٢٤) ، أي : اصبر لحكمه القدري ، فلا تسخطه ، ولحكمه الديني ، فامض عليه ، ولا يعوقنك عنه عائق. (وَلا تُطِعْ) من المعاندين ، الّذين يريدون أن يصدوك (آثِماً) ، أي : فاعلا