غاية اللذة ، قد سلم من كلّ مكدر ومنغص موجود في كافور الدنيا ، فإن الآفة الموجودة في الدنيا ، تعدم من الأسماء التي ذكرها الله في الجنة. كما قال تعالى : (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) (٢٩) ، (وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) ، (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ).
[٦] (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) ، أي : ذلك الكأس اللذيذ ، الذي يشربونه ، لا يخافون نفاده ، بل له مادة لا تنقطع ، وهي عين دائمة الفيضان والجريان ، يفجرها عباد الله تفجيرا ، أنى شاءوا ، وكيف أرادوا. فإن شاؤوا صرفوها إلى البساتين الزاهرات ، أو إلى الرياض النضرات ، أو بين جوانب القصور ، والمساكن المزخرفات ، أو إلى أي جهة يرونها من الجهات المونقات.
[٧] ثمّ ذكر جملة من أعمالهم ، فقال : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) ، أي : بما ألزموا به أنفسهم من النذور والمعاهدات. وإذا كانوا يوفون بالنذر ، الذي هو غير واجب في الأصل عليهم ، إلا بإيجابهم على أنفسهم ، كان فعلهم وقيامهم بالفروض الأصلية ، من باب أولى وأحرى. (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) ، أي : قاسيا منتشرا. فخافوا أن ينالهم شره ، فتركوا كل سبب موجب لذلك.
[٨] (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) أي : وهم في حال يحبون فيها المال والطعام ، ولكنهم قدموا محبة الله على محبة نفوسهم ، ويتحرون في إطعامهم ، أولى الناس وأحوجهم (مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً).
[٩] ويقصدون بإنفاقهم وإطعامهم ، وجه الله تعالى ، ويقولون بلسان الحال : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) (٩) ، أي : لا جزاء ماليا ، ولا ثناء قوليا.
[١٠] (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً) ، أي : شديد الجهمة والشر (قَمْطَرِيراً) ، أي : ضنكا ضيقا.
[١١] (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) فلا يحزنهم الفزع الأكبر ، وتتلقاهم الملائكة ، هذا يومكم الذي كنتم توعدون.
(وَلَقَّاهُمْ) ، أي : أكرمهم وأعطاهم (نَضْرَةً) في وجوههم (وَسُرُوراً) في قلوبهم ، فجمع لهم بين نعيم الظاهر والباطن.
[١٢] (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) على طاعته ، فعملوا ما أمكنهم منها ، وعن معاصيه ، فتركوها ، وعلى أقداره المؤلمة ، فلم يتسخطوها. (جَنَّةً) جامعة لكل نعيم ، سالمة من كلّ مكدر ومنغص. (وَحَرِيراً) كما قال تعالى : (وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ). ولعل الله إنما خص الحرير ، لأنه لباسهم الظاهر ، الدال على حال صاحبه.
[١٣] (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) الاتكاء : التمكن من الجلوس ، في حال الطمأنينة ، والراحة ، والرفاهية ، والأرائك هي : السرر التي عليها اللباس المزين. (لا يَرَوْنَ فِيها) ، أي : في الجنة (شَمْساً) يضرهم حرها ، (وَلا زَمْهَرِيراً) ، أي : بردا شديدا ، بل جميع أوقاتهم في ظل ظليل ، لا حر ولا برد ، بحيث تلتذ به الأجساد ، ولا تتألم من حر ولا برد.
[١٤] (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) (١٤) ، أي : قربت ثمراتها من مريدها ، تقريبا ينالها وهو قائم ، أو قاعد ، أو مضطجع.
[١٥ ـ ١٦] (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ) ، أي : يدور الولدان والخدم على أهل الجنة (بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٦) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) ، أي : مادتها فضة ، وهي على صفاء القوارير ، وهذا من أعجب الأشياء ، أن تكون الفضة الكثيفة ، من صفاء جوهرها ، وطيب معدنها ، على صفاء القوارير. (قَدَّرُوها تَقْدِيراً) ، أي : قدروا الأواني