سورة عبس
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
[١] سبب نزول هذه الآيات الكريمات ، أنه جاء رجل من المؤمنين أعمى يسأل النبي صلىاللهعليهوسلم ويتعلم منه. وجاء رجل من الأغنياء ، وكان صلىاللهعليهوسلم حريصا على هداية الخلق ، فمال صلىاللهعليهوسلم وأصغى إلى الغني ، وصدّ عن الأعمى الفقير ، رجاء لهداية ذلك الغني ، وطمعا في تزكيته ، فعاتبه الله بهذا العتاب اللطيف ، فقال : (عَبَسَ) ، أي : في وجهه (وَتَوَلَّى) في بدنه ، لأجل مجيء الأعمى له. ثم ذكر الفائدة في الإقبال عليه ، فقال :
[٣] (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ) ، أي : الأعمى (يَزَّكَّى)؟ ، أي : يتطهر عن الأخلاق الرذيلة ، ويتصف بالأخلاق الجميلة؟
[٤] (أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) (٤)؟ أي : يتذكر ما ينفعه ، فينتفع بتلك الذكرى. وهذه فائدة كبيرة ، هي المقصودة من بعثة الرسل ، ووعظ الوعاظ ، وتذكير المذكرين ، فإقبالك على من جاء بنفسه ، مفتقرا لذلك مقبلا ، هو الأليق الواجب. وأما تصديك ، وتعرضك للغني المستغني ، الذي لا يسأل ، ولا يستغني لعدم رغبته في الخير ، مع تركك من هو أهم منه فإنه لا ينبغي لك فإنه ليس عليك أن لا يزكى ، فلو لم يتزكّ ، فلست بمحاسب على ما عمله من الشر. فدل هذا ، على القاعدة المشهورة ، أنه : «لا يترك أمر معلوم لأمر موهوم ، ولا مصلحة متحققة لمصلحة متوهمة». وأنه ينبغي الإقبال على طالب العلم ، المفتقر إليه ، الحريص عليه ، أزيد من غيره.
[١١] يقول تعالى : (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ) (١١) ، أي : حقا إن هذه الوعظة ، تذكرة من الله ، يذكر بها عباده ، ويبين لهم في كتابه ما يحتاجون إليه ، ويبين الرشد من الغي ، فإذا تبين ذلك (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) (١٢) ، أي : عمل به كقوله تعالى : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ). ثم ذكر محل هذه التذكرة ، وعظمها ، ورفع قدرها ، فقال : [١٢ ـ ١٣] (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ) القدر والرتبة (مُطَهَّرَةٍ) من الآفات ، وعن أن ينالها أذى الشياطين ، أو يسترقوها. بل هي
[١٥] (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) (١٥) وهم الملائكة ، الّذين هم سفراء بين الله وبين عباده.
[١٦] (كِرامٍ) ، أي : كثيري الخير والبركة (بَرَرَةٍ) قلوبهم وأعمالهم. وذلك كله حفظ من الله لكتابه ، أن جعل السفراء فيه إلى الرسل الملائكة الكرام الأقوياء الأتقياء ، ولم يجعل للشياطين عليه سبيلا ، وهذا مما يوجب الإيمان به ، وتلقّيه بالقبول. ولكن مع هذا أبى الإنسان إلا كفورا ، ولهذا قال تعالى :
[١٧ ـ ١٩] (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ) (١٧) لنعمة الله ، وما أشد معاندته للحق ، بعد ما تبين ، وهو ما هو؟ هو من أضعف الأشياء ، خلقه من ماء مهين ، ثم قدر خلقه ، وسواه بشرا سويا ، وأتقن قواه الظاهرة والباطنة.
[٢٠] (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) (٢٠) ، أي : يسر له الأسباب الدينية والدنيوية ، وهداه السبيل ، وبيّنه وامتحنه بالأمر والنهي.
[٢١] (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) (٢١) ، أي : أكرهه بالدفن ، ولم يجعله كسائر الحيوانات ، الّتي تكون جيفها على وجه الأرض.
[٢٢] (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) (٢٢) ، أي : بعثه بعد موته للجزاء. فالله