[١٥] ولهذا جوزي على ذلك ، بأن حجب عن الله ، كما حجب قلبه عن آيات الله.
[١٦] (ثُمَّ إِنَّهُمْ) مع هذه العقوبة البليغة (لَصالُوا الْجَحِيمِ).
[١٧] ثم يقال لهم توبيخا وتقريعا (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ). فذكر لهم ثلاثة أنواع من العذاب : عذاب الجحيم ، وعذاب التوبيخ واللوم ، وعذاب الحجاب عن رب العالمين ، المتضمن لسخطه وغضبه عليهم ، وهو أعظم عليهم من عذاب النار. ودل مفهوم الآية ، على أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة في الجنة ، ويتلذذون بالنظر إليه أعظم من سائر اللذات ، ويبتهجون بخطابه ، ويفرحون بقربه ، كما ذكر الله ذلك في عدة آيات من القرآن ، وتواتر فيه النقل عن رسول صلىاللهعليهوسلم. وفي هذه الآيات ، التحذير من الذنوب ، فإنها ترين على القلب وتغطيه ، شيئا فشيئا. حتى ينطمس نوره ، وتموت بصيرته ، فتنقلب عليه الحقائق ، فيرى الباطل حقا ، والحق باطلا ، وهذا من أعظم عقوبات الذنوب.
[١٨] لما ذكر أن كتاب الفجار في أسفل الأمكنة وأضيقها ، ذكر أن كتاب الأبرار في أعلاها ، وأوسعها ، وأفسحها. وأن كتابهم (كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) (٢١) من الملائكة الكرام ، وأرواح الأنبياء ، والصديقين والشهداء ، وينوّه الله بذكرهم في الملأ الأعلى. و «عليون» اسم لأعلى الجنة. فلما ذكر كتابهم ، ذكر أنهم في نعيم ، وهو اسم جامع لنعيم القلب ، والروح ، والبدن.
[٢٣] (عَلَى الْأَرائِكِ) ، أي : على السرر المزينة بالفرش الحسان. (يَنْظُرُونَ) إلى ما أعد الله لهم من النعيم ، وينظرون إلى وجه ربهم الكريم.
[٢٤] (تَعْرِفُ) أيها الناظر (فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) ، أي : بهاءه ونضارته ورونقه. فإن توالي اللذات ، والمسرات ، والأفراح ، يكسب الوجه نورا ، وحسنا ، وبهجة.
[٢٥] (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ) وهو من أطيب ما يكون من الأشربة وألذها. (مَخْتُومٍ) ذلك الشراب
[٢٦] (خِتامُهُ مِسْكٌ). يحتمل أن المراد مختوم عن أن يداخله شيء ينقص لذته ، أو يفسد طعمه ، وذلك الختام ، الذي ختم به مسك. ويحتمل أن المراد أنه الذي يكون في آخر الإناء ، الذي يشربون منه الرحيق حثالة ، وهي المسك الأذفر. فهذا الكدر منه ، الذي جرت العادة في الدنيا ، أنه يراق ، يكون في الجنة بهذه المثابة. (وَفِي ذلِكَ) النعيم المقيم ، الذي لا يعلم حسنه ومقداره إلا الله. (فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) ، أي : فليتسابقوا في المبادرة إليه بالأعمال الموصلة إليه ، فهذا أولى ما بذلت فيه نفائس الأنفاس ، وأحرى ما تزاحمت للوصول إليه فحول الرجال.
[٢٧ ـ ٢٨] (وَ) هذا الشراب (مِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) (٢٨) صرفا وهي أعلى أشربة الجنة على الإطلاق ، فلذلك كانت خالصة للمقربين ، الذين هم أعلى الخلق منزلة ، وممزوجة لأصحاب اليمين ، أي : مخلوطة بالرحيق وغيره من الأشربة اللذيذة.
[٢٩] لما ذكر تعالى جزاء المجرمين ، وجزاء المحسنين ، وذكر ما بينهما من التفاوت العظيم ، أخبر أن المجرمين كانوا في الدنيا ، يسخرون بالمؤمنين ، ويستهزئون بهم ، ويضحكون منهم ، فيتغامزون بهم ، عند مرورهم عليهم ، احتقارا لهم وازدراء ، ومع هذا تراهم مطمئنين ، لا يخطر الخوف على بالهم.
[٣١] (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ) صباحا ومساء (انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) ، أي : مسرورين مغتبطين. وهذا أشد ما يكون من الاغترار ، أنهم جمعوا بين غاية الإساءة ،