[١٠ ـ ١١] لما ذكر يوم القيامة ، ذكر أن جميع من كفر بالله ، وكذب رسل الله ، لا بد أن يدخلوا النار ويصلوها ، وأن أموالهم وأولادهم ، لن تغني عنهم شيئا من عذاب الله ، وأنه سيجري عليهم في الدنيا من الأخذات والعقوبات ، ما جرى على فرعون وسائر الأمم المكذبة بآيات الله (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) وعجّل لهم في العقوبات الدنيوية ، متصلة بالعقوبات الأخروية. (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) ، فإياكم أن تستهينوا بعقابه ، فيهون عليكم الإقامة على الكفر والتكذيب.
وهذا خبر وبشرى للمؤمنين ، وتخويف للكافرين ، أنهم لا بد أن يغلبوا في هذه الدنيا ، وقد وقع كما أخبر الله ، فغلبوا غلبة لم يكن لها مثيل ولا نظير.
[١٢ ـ ١٣] وجعل الله تعالى ما وقع في «بدر» من آياته الدالة على صدق رسوله ، وأنه على الحق ، وأعداءه على الباطل ، حيث التقت فئتان ، فئة المؤمنين لا يبلغون إلا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا مع قلة عددهم ، وفئة الكافرين ، يناهزون الألف ، مع استعدادهم التام في السلاح وغيره ، فأيد الله المؤمنين بنصره ، فهزموهم بإذن الله ، ففي هذا عبرة لأهل البصائر. فلو لا أن هذا هو الحق الذي إذا قابل الباطل أزهقه واضمحل الباطل لكان ـ بحسب الأسباب الحسية ـ الأمر بالعكس.
[١٤] أخبر تعالى في هاتين الآيتين ، عن حالة الناس في إيثار الدنيا على الآخرة ، وبين التفاوت العظيم ، والفرق الجسيم بين الدارين ، فأخبر أن الناس زيّنت لهم هذه الأمور ، فرمقوها بالأبصار ، واستحلوها بالقلوب ، وعكفت على لذاتها النفوس ، كل طائفة من الناس تميل إلى نوع من هذه الأنواع ، قد جعلوها هي أكبر همهم ، ومبلغ علمهم ، وهي ـ مع هذا ـ متاع قليل ، منقض في مدة يسيرة. فهذا (مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ).
[١٥] ثم أخبر عن ذلك بأن المتقين لله ، القائمين بعبوديته ، لهم خير من هذه اللذات ، فلهم أصناف الخيرات ، والنعيم المقيم ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ولهم رضوان الله الذي هو أكبر من كل شيء. ولهم الأزواج المطهرة ، من كل آفة ونقص ، جميلات الأخلاق ، كاملات الخلائق ، لأن النفي يستلزم ضده ، فتطهيرها عن الآفات ، مستلزم لوصفها بالكمالات. (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) فييسر كلّا منهم لما خلق له ، أما أهل السعادة ، فييسرهم للعمل لتلك الدار الباقية ، ويأخذون من هذه الحياة الدنيا ، ما يعينهم على عبادة الله وطاعته ، وأما أهل الشقاوة والإعراض ، فيقيضهم لعمل أهل الشقاوة ، ويرضون بالحياة الدنيا ، ويطمئنون بها ، ويتخذونها قرارا.
[١٦] أي : هؤلاء الراسخون في العلم ، أهل العلم بالإيمان ، يتوسلون إلى ربهم بإيمانهم ، لمغفرة ذنوبهم ، ووقايتهم عذاب النار ، وهذا من الوسائل التي يحبها الله ، أن يتوسل العبد إلى ربه ، بما منّ به عليه من الإيمان والأعمال الصالحة ، إلى تكميل نعم الله عليه ، بحصول الثواب الكامل ، واندفاع العقاب.