[١٧] ثم وصفهم بأجمل الصفات : بالصبر الذي هو حبس النفوس على ما يحبه الله ، طلبا لمرضاته ، يصبرون على طاعة الله ، ويصبرون عن معاصيه ، ويصبرون على أقداره المؤلمة. وبالصدق بالأقوال والأحوال ، وهو استواء الظاهر والباطن ، وصدق العزيمة على سلوك الصراط المستقيم ، وبالقنوت الذي هو دوام الطاعة ، مع مصاحبة الخشوع والخضوع ، وبالنفقات في سبل الخيرات ، وعلى الفقراء ، وأهل الحاجات ، وبالاستغفار ، خصوصا وقت الأسحار ، فإنهم مدوا الصلاة إلى وقت السحر ، فجلسوا يستغفرون الله تعالى.
[١٨] هذه أجلّ الشهادات الصادرة من الملك العظيم ، ومن الملائكة ، وأهل العلم ، على أجل مشهود عليه ، وهو توحيد الله ، وقيامه بالقسط ، وذلك يتضمن الشهادة على جميع الشرع ، وجميع أحكام الجزاء. فإن الشرع والدين ، أصله وقاعدته ، توحيد الله وإفراده بالعبودية ، والاعتراف بانفراده ، بصفات العظمة والكبرياء ، والمجد ، والعز ، والقدرة ، والجلال ، ونعوت الجود ، والبر والرحمة والإحسان والجمال ، وبكماله المطلق الذي لا يحصي أحد من الخلق ، أن يحيطوا بشيء منه ، أو يبلغوه ، أو يصلوا إلى الثناء عليه ، والعبادات الشرعية ، والمعاملات وتوابعها ، والأمر والنهي ، كله عدل وقسط ، لا ظلم فيه ولا جور ، بوجه من الوجوه ، بل هو في غاية الحكمة والإحكام ، والجزاء على الأعمال الصالحة والسيئة ، كله قسط وعدل. (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ) فتوحيد الله ، ودينه ، وجزاؤه ، قد ثبت ثبوتا لا ريب فيه ، وهو أعظم الحقائق وأوضحها ، وقد أقام الله على ذلك من البراهين ، والأدلة ما لا يمكن إحصاؤه وعدّه. وفي هذه الآية فضيلة العلم والعلماء ؛ لأن الله خصهم بالذكر ، من دون البشر ، وقرن شهادتهم بشهادته ، وشهادة ملائكته ، وجعل شهادتهم من أكبر الأدلة والبراهين على توحيده ودينه وجزائه ، وأنه يجب على المكلفين قبول هذه الشهادة العادلة الصادقة. وفي ضمن ذلك : تعديلهم ، وأن الخلق تبع لهم ، وأنهم هم الأئمة المتبوعون ، وفي هذا من الفضل والشرف ، وعلو المكانة ، ما لا يقادر قدره.
[١٩] يخبر تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ) ، أي : الدين الذي لا دين له سواه ، ولا مقبول غيره ، هو (الْإِسْلامُ) ، وهو الانقياد لله وحده ، ظاهرا وباطنا بما شرعه على ألسنة رسله ، قال تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٨٥) ، فمن دان بغير دين الإسلام ، فهو لم يدن لله حقيقة ، لأنه لم يسلك الطريق الذي شرعه على ألسنة رسله. ثم أخبر تعالى ، أن أهل الكتاب يعلمون ذلك ، وإنما اختلفوا ، فانحرفوا عنه عنادا وبغيا ، وإلا فقد جاءهم العلم المقتضي لعدم الاختلاف ، الموجب للزوم الدين الحقيقي. ثم لما جاءهم محمد صلىاللهعليهوسلم عرفوه حق المعرفة ، ولكن الحسد والبغي والكفر بآيات الله ، هي التي صدتهم عن اتباع الحق. (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) ، أي : فلينتظروا ذلك فإنه آت ، وسيجزيهم الله بما كانوا يعملون.
[٢٠] لما بين أن الدين الحقيقي عنده الإسلام ، وكان أهل الكتاب قد شافهوا النبي صلىاللهعليهوسلم بالمجادلة ، وقامت عليهم الحجة ، فعاندوها ، أمره الله تعالى عند ذلك ، أن يقول ويعلن : أنه أسلم وجهه ، أي : ظاهره وباطنه لله ، وأن من