اتبعه كذلك ، قد وافقوه على هذا الإذعان الخالص. وأن يقول للناس كلهم ، من أهل الكتاب ، والأميين ، أي : الذين ليس لهم كتاب ، من العرب وغيرهم : إن أسلمتم فأنتم على الطريق المستقيم ، والهدى والحق ، وإن توليتم فحسابكم على الله ، وأنا ليس علي إلا البلاغ ، وقد أبلغتكم وأقمت عليكم الحجة.
[٢١] أي الذين جمعوا بين هذه الشرور : الكفر بآيات الله ، وتكذيب رسل الله ، والجناية العظيمة على أعظم الخلق حقا على الخلق وهم الرسل ، وأئمة الهدى ، الذين يأمرون الناس بالقسط ، الذي اتفقت عليه الأديان والعقول.
[٢٢] فهؤلاء قد (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) ، واستحقوا العذاب الأليم ، وليس لهم ناصر من عذاب الله ، ولا منقذ من عقوبته.
[٢٣] أي : ألا تنظر وتعجب من هؤلاء (الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) ، و (يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ) الذي يصدق ما أنزله على رسله. (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) عن اتباع الحق ، فكأنه قيل : أي داع دعاهم إلى هذا الإعراض ، وهم أحق بالاتباع ، وأعرفهم بحقيقة ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم؟ فذكر لذلك سببين : أمنهم ، وشهادتهم الباطلة لأنفسهم بالنجاة ، وأن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة حددوها بحسب أهوائهم الفاسدة ، كأن تدبير الملك راجع إليهم ، حيث قالوا : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) ، ومن المعلوم أن هذه أماني باطلة ، شرعا وعقلا. والسبب الثاني : أنهم لما كذبوا بآيات الله وافتروا عليه ، زين لهم الشيطان سوء عملهم ، واغتروا بذلك ، وتراءى لهم أنه الحق ، عقوبة لهم على إعراضهم عن الحق ، فهؤلاء كيف يكون حالهم ـ إذا جمعهم الله يوم القيامة ، ووفى العاملين ما عملوا ، وجرى عدل الله في عباده ، فهنالك لا تسأل عما يصلون إليه من العقاب ، وما يفوتهم من الخير والثواب ، وذلك بما كسبت أيديهم : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).
[٢٦] يأمر تعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم أصلا ، وغيره تبعا ـ أن يقول عن ربه ، معلنا بتفرده بتصريف الأمور ، وتدبير العالم العلوي والسفلي ، واستحقاقه باختصاصه بالملك المطلق ، والتصريف المحكم ، وأنه يؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك ممن يشاء ، ويعز من يشاء ، ويذل من يشاء. فليس الأمر بأماني أهل الكتاب ، ولا غيرهم ، بل الأمر أمر الله ، والتدبير له ، فليس له معارض في تدبيره ، ولا معاون في تقديره ، وأنه كما أنه المتصرف بمداولة الأيام بين الناس ، فهو المتصرف بنفس الزمان. وقوله : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) ، أي : الخير كله منك ، ولا يأتي بالحسنات والخيرات إلا الله ، وأما الشر ، فإنه لا يضاف إلى الله تعالى ، لا وصفا ، ولا اسما ، ولا فعلا ، ولكنه يدخل في مفعولاته ، ويندرج في قضائه وقدره. فالخير والشر ، كله داخل في القضاء والقدر ، فلا يقع في ملكه إلا ما شاءه ، ولكن الشر لا يضاف إلى الله ، فلا يقال : «بيدك الخير والشر» ، بل يقال : «بيدك الخير» كما قاله الله ، وقاله رسوله. وأمّا استدراك بعض المفسرين حيث قال : «وكذلك الشر بيد الله» فإنه وهم محض ، ملحظهم ، حيث ظنوا أن تخصيص الخير بالذكر ، ينافي قضاءه وقدره العام ، وجوابه ما فصلنا.
[٢٧] يولج النهار في الليل ، ويولج الليل في النهار ، أي : يدخل هذا على هذا ، ويحل هذا محل هذا ، ويزيد في