الرسل ، وجميع الكتب ، وهذه خصيصة المسلمين. وأما دعوى اليهود والنصارى ، أنهم على ملة إبراهيم ، فقد علم أن اليهودية والنصرانية ، التي هم يدعون أنهم عليها ، لم تؤسس إلا بعد الخليل. فكيف يحاجون في هذا الأمر ، الذي يعلم به كذبهم وافتراؤهم؟ فهب أنهم حاجوا فيما لهم به علم ، فكيف يحاجون في هذه الحالة؟ فهذا قبل أن ينظر ما احتوى عليه قولهم من البطلان ، يعلم فساد دعواهم. وفي هذه الآية دليل على أنه لا يحل للإنسان أن يقول أو يجادل فيما لا علم له به. وقوله : (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) ، فكلما قوي إيمان العبد ، تولاه الله بلطفه ، ويسره لليسرى ، وجنّبه العسرى.
[٦٩ ـ ٧٤] هذا من منة الله على هذه الأمة ، حيث أخبرهم بمكر أعدائهم من أهل الكتاب ، وأنهم ـ من حرصهم على إضلال المؤمنين ـ ينوعون المنكرات الخبيثة. فقالت طائفة منهم : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ) ، أي : أوله ، وارجعوا عن دينهم آخر النهار ، فإنهم ـ إذا رأوكم راجعين ، وهم يعتقدون فيكم العلم ـ استرابوا بدينهم ، وقالوا : لو لا أنهم رأوا فيه ما لا يعجبهم ، ولا يوافق الكتب السابقة ، لم يرجعوا. هذا مكرهم ، والله تعالى هو الذي يهدي من يشاء ، وهو الذي بيده الفضل ، يختص به من يشاء ، فخصّكم ـ يا هذه الأمة ـ بما لم يخص به غيركم. ولم يدر هؤلاء الماكرون أن دين الله حق ، إذا وصلت حقيقته إلى القلوب ، لم يزدد صاحبه ـ على طول المدى ـ إلا إيمانا ويقينا. ولم تزده الشبه ، إلا تمسكا بدينه ، وحمدا لله ، وثناء عليه حيث منّ به عليه. وقوله : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) ، يعني : أن الذي حملهم على هذه الأعمال المنكرة ، الحسد والبغي ، وخشية الاحتجاج عليهم. كما قال تعالى : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ) ، الآية.
[٧٥] يخبر تعالى عن أهل الكتاب ، أن منهم طائفة أمناء ، بحيث لو أمنته على قناطير من النقود ، وهي المال الكثير ، يؤده إليك ، ومنهم طائفة خونة ، يخونك في أقل القليل ، ومع هذه الخيانة الشنيعة ، فإنهم يتأولون بالأعذار الباطلة فيقولون : (لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) ، أي : ليس علينا جناح إذا خناهم واستبحنا أموالهم ، لأنهم لا حرمة لهم. قال تعالى : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أن عليهم أشد الحرج ، فجمعوا بين الخيانة وبين احتقار العرب ، وبين الكذب على الله ، وهم يعلمون ذلك ، ليسوا كمن فعل ذلك جهلا وضلالا. ثم قال تعالى : (بَلى) ، أي : ليس الأمر كما قالوا. فإنه (مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى) ، أي : قام بحقوق الله ، وحقوق خلقه ، فإن هذا هو المتقي ، والله يحبه.
[٧٦] أي : ومن كان بخلاف ذلك ، فلم يف بعهده وعقوده ، التي بينه وبين الخلق ، ولا قام بتقوى الله ، فإن الله يمقته ، وسيجازيه على ذلك أعظم النكال.
[٧٧] أي : إن الذين يشترون الدنيا بالدين ، فيختارون الحطام القليل من الدنيا ، ويتوسلون إليها بالأيمان الكاذبة ، والعهود المنكوثة ، فهؤلاء (لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ،