[١٣٧] ثم قال تعالى : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) الآيات. وهذه الآيات الكريمات ، وما بعدها في قصة «أحد» يعزي تعالى عباده المؤمنين ويسليهم ، ويخبرهم أنه مضى قبلهم أجيال وأمم ، امتحنوا ، وابتلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين ، فلم يزالوا في مداولة ومجاولة ، حتى جعل الله العاقبة للمتقين ، والنصر لعباده المؤمنين. وآخر الأمر حصلت الدولة على المكذبين ، وخذلهم الله بنصر رسله وأتباعهم. (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) بأبدانكم وقلوبكم (فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) ، فإنكم لا تجدونهم إلا معذبين ، بأنواع العقوبات الدنيوية. قد خوت ديارهم ، وتبين لكل أحد خسارهم ، وذهب عزهم وملكهم ، وزال بذخهم وفخرهم ، أفليس في هذا أعظم دليل ، وأكبر شاهد ، على صدق ما جاءت به الرسل؟ وحكمة الله التي يمتحن بها عباده ، ليبلوهم ويتبين صادقهم من كاذبهم.
[١٣٨] ولهذا قال تعالى : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) ، أي : دلالة ظاهرة ، تبين للناس الحق من الباطل ، وأهل السعادة من أهل الشقاوة ، وهو الإشارة إلى ما أوقع الله بالمكذبين. (وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) لأنهم هم المنتفعون بالآيات فتهديهم إلى سبيل الرشاد ، وتعظهم وتزجرهم ، عن طريق الغي. وأما باقي الناس ، فهي بيان لهم ، تقوم به عليهم الحجة من الله ، ليهلك من هلك عن بينة. ويحتمل أن الإشارة في قوله : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) للقرآن العظيم ، والذكر الحكيم ، وأنه بيان للناس عموما ، وهدى وموعظة للمتقين ، خصوصا ، وكلا المعنيين حق.
[١٣٩] يقول تعالى مشجعا لعباده المؤمنين ، ومقويا لعزائمهم ، ومنهضا لهممهم : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا) ، أي : ولا تهنوا وتضعفوا في أبدانكم ، ولا تحزنوا في قلوبكم ، عند ما أصابتكم المصيبة ، وابتليتم بهذه البلوى ، فإن الحزن في القلوب ، والوهن على الأبدان ، زيادة مصيبة عليكم ، وأعون لعدوكم عليكم. بل شجعوا قلوبكم ، وصبروها ، وادفعوا عنها الحزن وتصلبوا على قتال عدوكم ، وذكر تعالى أنه لا يليق بهم الوهن والحزن ، وهم الأعلون في الإيمان ، ورجاء نصر الله وثوابه ، فالمؤمن المبتغي ما وعده الله من الثواب الدنيوي والأخروي لا ينبغي له ذلك. ولهذا قال تعالى : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
[١٤٠] ثم سلّاهم بما حصل لهم من الهزيمة ، وبيّن الحكمة العظيمة المترتبة على ذلك ، فقال تعالى : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) ، فأنتم وهم ، قد تساويتم في القرح ، ولكنكم ترجون من الله ما لا يرجون كما قال تعالى : (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ). ومن الحكم في ذلك ، أن هذه الدار ، يعطي الله منها المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، فيداول الله الأيام بين الناس ، يوم لهذه الطائفة ، ويوم للطائفة الأخرى ؛ لأن هذه الدار الدنيا ، منقضية فانية ، وهذا بخلاف الدار الآخرة ، فإنها خالصة للذين آمنوا. (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) ، هذا أيضا من الحكم أنه يبتلي الله عباده بالهزيمة والابتلاء ، ليتبين المؤمن من المنافق ؛ لأنه لو استمر النصر للمؤمنين في جميع الوقائع لدخل في الإسلام من لا يريده. فإذا حصل في بعض الوقائع ، بعض أنواع الابتلاء ، تبين المؤمن حقيقة الذي يرغب في الإسلام ، في الضراء والسراء ، واليسر والعسر ،