غني عنه ، وسيقيم دينه ، ويعز عباده المؤمنين ، فلما وبخ تعالى ، من انقلب على عقبيه ، مدح من ثبت مع رسوله ، وامتثل أمر ربه ، فقال : (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) ، والشكر لا يكون إلا بالقيام بعبودية الله تعالى على كل حال. وفي هذه الآية الكريمة ، إرشاد من الله تعالى لعباده ، أن يكونوا بحالة ، لا يزعزعهم عن إيمانهم ، أو عن بعض لوازمه ، فقد رئيس ولو عظم ، وما ذاك إلا بالاستعداد في كل أمر من أمور الدين ، بعدة أناس من أهل الكفاءة فيه ، إذا فقد أحدهم قام به غيره. وأن يكون عموم المؤمنين ، قصدهم إقامة دين الله ، والجهاد عنه ، بحسب الإمكان لا يكون لهم قصد في رئيس دون رئيس ، فبهذه الحال ، يستتب لهم أمرهم ، وتستقيم أمورهم. وفي هذه الآية أيضا ، أعظم دليل على فضيلة الصديق الأكبر ، أبي بكر ، وأصحابه الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لأنهم هم سادات الشاكرين. ثم أخبر تعالى أن النفوس جميعها معلقة بآجالها ، بإذن الله ، وقدره وقضائه ، فمن حتم عليه بالقدر أن يموت ، مات ولو بغير سبب ، ومن أراد بقاءه ، فلو وقع من الأسباب كل سبب ، لم يضره ذلك قبل بلوغ أجله ، وذلك أن الله قضاه ، وقدّره ، وكتبه إلى أجل مسمى : (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ).
[١٤٥] ثم أخبر تعالى ، أنه يعطي الناس من ثواب الدنيا والآخرة ، ما تعلقت به إرادتهم ، فقال : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها). قال الله تعالى : (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (٢٠) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) (٢١). (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) ، ولم يذكر جزاءهم ، ليدل ذلك على كثرته وعظمته ، وليعلم أن الجزاء ، على قدر الشكر ، قلة وكثرة ، وحسنا.
[١٤٦] هذا تسلية للمؤمنين ، وحث على الاقتداء بهم ، والفعل كفعلهم ، وأن هذا أمر قد كان متقدما ، لم تزل سنة الله جارية بذلك ، فقال : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍ) ، أي : وكم من نبي (قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) ، أي : جماعات كثيرون من أتباعهم ، الذين قد ربتهم الأنبياء بالإيمان ، والأعمال الصالحة ، فأصابهم قتل وجراح وغير ذلك. (فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا) ، أي : ما ضعفت قلوبهم ، ولا وهنت أبدانهم ، ولا استكانوا ، أي : ذلوا لعدوهم ، بل صبروا وثبتوا ، وشجعوا أنفسهم ، ولهذا قال : (وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).
[١٤٧] ثم ذكر قولهم ، واستنصارهم لربهم ، فقال : (وَما كانَ قَوْلَهُمْ) ، أي : في تلك المواطن الصعبة (إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا) ، والإسراف هو مجاوزة الحد ، إلى ما حرم ، علموا أن الذنوب والإسراف من أعظم أسباب الخذلان ، وأن التخلي منها ، من أسباب النصر ، فسألوا ربهم مغفرتها. ثم إنهم لم يتكلوا على ما بذلوا جهدهم به ، من الصبر ، بل اعتمدوا على الله ، وسألوه أن يثبت أقدامهم عند ملاقاة الأعداء الكافرين ، وأن ينصرهم عليهم ، فجمعوا بين الصبر وترك ضده ، والتوبة والاستغفار ، والاستنصار بربهم.
[١٤٨] لا جرم أن الله نصرهم ، وجعل لهم العاقبة في الدنيا والآخرة ، ولهذا قال : (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا) ، من النصر والظفر والغنيمة. (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) ، وهو الفوز برضا ربهم ، والنعيم المقيم ، الذي قد سلم من جميع