المنكدات. وما ذاك ، إلا أنهم أحسنوا له الأعمال ، فجازاهم بأحسن الجزاء ، فلهذا قال : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) في عبادة الخالق ، ومعاملة الخلق. ومن الإحسان ، أن يفعل عند جهاد الأعداء ، كفعل هؤلاء المؤمنين.
[١٤٩] ثم قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ) إلى : (وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ). وهذا نهي من الله للمؤمنين أن يطيعوا الكافرين ، من المنافقين والمشركين ، فإنهم إذا أطاعوهم ، لم يريدوا لهم إلا الشر ، وهم قصدهم ردهم إلى الكفر ، الذي عاقبته الخيبة والخسران. ثم أخبر أنه مولاهم وناصرهم ، ففيه إخبار لهم بذلك ، وبشارة بأنه يتولى أمورهم ، بلطفه ، ويعصمهم من أنواع الشرور. وفي ضمن ذلك ، الحث لهم على اتخاذه وحده وليا وناصرا من دون كل أحد ، فمن ولايته ونصره لهم ، أنه وعدهم أنه سيلقي في قلوب أعدائهم من الكافرين الرعب ، وهو الخوف العظيم ، الذي يمنعهم من كثير من مقاصدهم ، وقد فعل تعالى. وذلك أن المشركين ـ بعد ما انصرفوا من وقعة «أحد» ـ تشاوروا فيما بينهم ، وقالوا : كيف ننصرف ، بعد أن قتلنا من قتلنا ، وهزمناهم؟ ولما نستأصلهم؟ فهموا بذلك ، فألقى الله في قلوبهم الرعب ، فانصرفوا خائبين. ولا شك أن هذا من أعظم النصر ، لأنه قد تقدم أن نصر الله لعباده المؤمنين لا يخرج عن أحد أمرين : إما أن يقطع طرفا ممن كفروا ، أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ، وهذا من الثاني. ثم ذكر السبب الموجب لإلقاء الرعب في قلوب الكافرين ، فقال : (بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) ، أي : ذلك بسبب ما اتخذوا من دونه ، من الأنداد والأصنام ، التي اتخذوها على حسب أهوائهم وإرادتهم الفاسدة ، من غير حجة ولا برهان ، وانقطعوا من ولاية الواحد الرحمن. فمن ثم ، كان المشرك مرعوبا من المؤمنين ، لا يعتمد على ركن وثيق ، وليس له ملجأ عند كل شدة وضيق ، هذا حاله في الدنيا. وأما في الآخرة ، فأشد وأعظم ، ولهذا قال : (وَمَأْواهُمُ النَّارُ) ، أي : مستقرهم الذي يأوون إليه وليس لهم عنها خروج. (وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) ، بسبب ظلمهم وعدوانهم ، صارت النار مثواهم.
[١٥٢] أي : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) بالنصر ، فنصركم عليهم ، حتى ولوكم أكتافهم ، وطفقتم فيهم قتلا ، حتى صرتم سببا لأنفسكم ، وعونا لأعدائكم عليكم ، فلما حصل منكم الفشل وهو الضعف والخور (وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) الذي فيه ترك أمر الله ، بالائتلاف وعدم الاختلاف ، فاختلفتم ، فمن قائل : نقيم في مركزنا ، الذي جعلنا فيه النبي صلىاللهعليهوسلم ، ومن قائل : ما مقامنا فيه ، وقد انهزم العدو ، ولم يبق محذور ؛ فعصيتم الرسول ، وتركتم أمره (مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) وهو انخذال أعدائكم ؛ لأن الواجب على من أنعم الله عليه بما أحب ، أعظم من غيره. فالواجب في هذه الحال خصوصا ، وفي غيرها عموما ، امتثال أمر الله ورسوله. (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) وهم الذين أوجب لهم ذلك ما أوجب. (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) وهم الذين لزموا أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وثبتوا حيث أمروا. (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ) ، أي : بعد ما وجدت هذه الأمور منكم ، صرف الله وجوهكم عنهم ، فصار الوجه لعدوكم ، ابتلاء من الله لكم ، وامتحانا ، ليتبين المؤمن من الكافر ، والطائع من