وفيه دلالة على أنهم دخلوها بظلمهم.
[١٩٣] (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ) ، وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ، يدعو الناس إليه ، ويرغبهم فيه ، في أصوله وفروعه. (فَآمَنَّا) ، أي : أجبناه مبادرة ، وسارعنا إليه ، وفي هذا إخبار منهم بمنة الله عليهم ، وتبجح بنعمته ، وتوسل إليه بذلك ، أن يغفر ذنوبهم ويكفر سيئاتهم ، لأن الحسنات يذهبن السيئات ، والذي منّ عليهم بالإيمان ، يمن عليهم بالأمان التام. (وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) ، يتضمن هذا الدعاء ، التوفيق لفعل الخير ، وترك الشر ، الذي به يكون العبد من الأبرار ، والاستمرار عليه ، والثبات إلى الممات.
[١٩٤] ولما ذكروا توفيق الله إياهم للإيمان ، وتوسلهم به إلى تمام النعمة ، سألوه الثواب على ذلك ، وأن ينجز لهم ما وعدهم به على ألسنة رسله من النصر ، والظهور في الدنيا ، ومن الفوز برضوان الله وجنته في الآخرة ، فإنه تعالى ، لا يخلف الميعاد ، فأجاب الله دعاءهم ، وقبل تضرعهم.
[١٩٥] فلهذا قال : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) ، الآية ، أي : أجاب الله دعاءهم ، دعاء العبادة ، ودعاء الطلب ، وقال : (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) ، فالجميع سيلقون ثواب أعمالهم كاملا موفّرا ، أي : كلكم على حد سواء في الثواب والعقاب. (فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا) ، فجمعوا بين الإيمان والهجرة ، ومفارقة المحبوبات ، من الأوطان ، والأموال طلبا لمرضاة ربهم ، وجاهدوا في سبيل الله. (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ) ، الذي يعطي عبده الثواب الجزيل ، على العمل القليل. (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فمن أراد ذلك ، فليطلبه من الله بطاعته ، والتقرب إليه ، بما يقدر عليه العبد.
[١٩٦ ـ ١٩٧] وهذه الآية المقصود منها التسلية عما يحصل للذين كفروا ، من متاع الدنيا ، وتنعمهم فيها ، وتقلبهم في البلاد ، بأنواع التجارات ، والمكاسب ، واللذات ، وأنواع العز ، والغلبة في بعض الأوقات ، فإن هذا كله (مَتاعٌ قَلِيلٌ) ، ليس له ثبوت ولا بقاء ، بل يتمتعون به قليلا ، ويعذبون عليه طويلا ، هذه أعلى حالة تكون للكافر ، وقد رأيت ما تؤول إليه.
[١٩٨] وأما المتقون لربهم ، المؤمنون به ـ فمع ما يحصل لهم من عز الدنيا ونعيمها (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها). فلو قدر أنهم في دار الدنيا ، قد حصل لهم كل بؤس ، وشدة ، وعناد ، ومشقة ـ لكان هذا ـ بالنسبة إلى النعيم المقيم والعيش السليم ، والسرور والحبور ، والبهجة نزرا يسيرا ، ومنحة في صورة محنة ، ولهذا قال تعالى : (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) ، وهم الذين برت قلوبهم ، فبرت أقوالهم وأفعالهم. فأثابهم البر الرحيم من بره ، أجرا عظيما ، وعطاء جسيما ، وفوزا دائما.
[١٩٩ ـ ٢٠٠] أي : وإن من أهل الكتاب ، طائفة موفقة للخير ، يؤمنون بالله ، ويؤمنون بما أنزل إليكم ، وما أنزل إليهم ، وهذا هو الإيمان النافع ، لا كمن يؤمن ببعض الرسل والكتب ، ويكفر ببعض. ولهذا ـ لما كان إيمانهم