أهل البدع. ودلت الآية بمفهومها ، على أن من أحب أن يحمد ويثنى عليه بما فعله من الخير ، واتباع الحق ، إذا لم يكن قصده بذلك الرياء والسمعة ، أنه غير مذموم. بل هذا من الأمور المطلوبة ، التي أخبر الله أنه يجزي بها المحسنين ، في الأعمال والأقوال ، وأنه جازى بها خواص خلقه ، وسألوها منه. كما قال إبراهيم عليهالسلام : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (٨٤). وقال : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (٧٩) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٨٠) ، وقد قال عباد الرحمن : (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) ، وهي من نعم الباري على عبده ، ومننه التي تحتاج إلى الشكر.
[١٨٩] أي : هو المالك للسماوات والأرض وما فيهما ، من سائر أصناف الخلق ، المتصرف فيهم ، بكمال القدرة ، وبديع الصنعة ، فلا يمتنع عليه منهم أحد ، ولا يعجزه أحد.
[١٩٠] يخبر تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (١٩٠) ، وفي ضمن ذلك ، حث العباد على التفكر فيها ، والتبصر بآياتها ، وتدبر خلقها. وأبهم قوله : (لَآياتٍ) ، ولم يقل : «على المطلب الفلاني» إشارة لكثرتها وعمومها. وذلك لأن فيها من الآيات العجيبة ، ما يبهر الناظرين ، ويقنع المتفكرين ، ويجذب أفئدة الصادقين ، وينبه العقول النيرة على جميع المطالب الإلهية. فأما تفصيل ما اشتملت عليه ، فلا يمكن مخلوقا أن يحصره ، ويحيط ببعضه ، وفي الجملة ، فما فيها من العظمة والسعة ، وانتظام السير والحركة ، يدل على عظمة خالقها ، وعظمة سلطانه وشمول قدرته ، وما فيها من الإحكام والإتقان ، وبديع الصنع ، ولطائف الفعل ، يدل على حكمة الله ، ووضعه الأشياء مواضعها ، وسعة علمه ، وما فيها من المنافع للخلق ، يدل على سعة رحمة الله ، وعموم فضله ، وشمول بره ، ووجوب شكره. وكل ذلك يدل على تعلق القلب بخالقها ومبدعها ، وبذل الجهد في مرضاته ، وأن لا يشرك به سواه ، ممن لا يملك لنفسه ولا لغيره ، مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. وخص الله بالآيات ، أولي الألباب ، وهم أهل العقول ؛ لأنهم هم المنتفعون بها ، الناظرون إليها بعقولهم لا بأبصارهم.
[١٩١] ثم وصف أولي الألباب بأنهم (يَذْكُرُونَ اللهَ) في جميع أحوالهم. (قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) ، وهذا يشمل جميع أنواع الذكر بالقول والقلب ، ويدخل في ذلك الصلاة قائما ، فإن لم يستطع فقاعدا ، فإن لم يستطع فعلى جنب. وأنهم (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أي : ليستدلوا بها على المقصود منها ، ودل هذا على أن التفكر عبادة من صفات أولياء الله العارفين ، فإذا تفكروا بها ، عرفوا أن الله لم يخلقها عبثا فيقولون : (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ) ، عن كل ما لا يليق بجلالك ، بالحق وللحق ، بل خلقتها مشتملة على الحق. (فَقِنا عَذابَ النَّارِ) ، بأن تعصمنا من السيئات ، وتوفقنا للأعمال الصالحات ، لننال بذلك النجاة من النار. ويتضمن ذلك سؤال الجنة ، لأنهم ـ إذا وقاهم الله عذاب النار ـ حصلت لهم الجنة. ولكن لما قام الخوف بقلوبهم ، دعوا الله بأهم الأمور عندهم.
[١٩٢] (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) ، أي : لحصوله على السخط من الله ، ومن ملائكته ، وأوليائه ، ووقوع الفضيحة ، التي لا نجاة منها ، ولا منقذ منها. ولهذا قال : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) ينقذونهم من عذابه ،