دينكم ، وكتابكم ، ورسولكم. وفي إخباره لعباده المؤمنين بذلك ، عدة فوائد : منها : أن حكمته تعالى ، تقتضي ذلك ، ليتميز المؤمن الصادق من غيره. ومنها : أنه تعالى ، يقدر عليهم هذه الأمور ، لما يريده بهم من الخير ليعلي درجاتهم ، ويتم به إيقانهم ، فإنه إذا أخبرهم بذلك ووقع كما أخبر (قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً). ومنها : أنه أخبرهم بذلك لتتوطن نفوسهم على وقوع ذلك ، والصبر عليه إذا وقع ؛ لأنهم قد استعدوا لوقوعه ، فيهون عليهم حمله ، وتخف عليهم مؤنته ، ويلجأون إلى الصبر والتقوى ، ولهذا قال : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا) ، أي : إن تصبروا على ما نالكم في أموالكم وأنفسكم ، من الابتلاء ، والامتحان ، وعلى أذية الظالمين ، وتتقوا الله في ذلك الصبر بأن تنووا به وجه الله ، والتقرب إليه ، ولم تتعدوا في صبركم ، الحد الشرعي من الصبر في موضع لا يحل لكم فيه الاحتمال ، بل وظيفتكم فيه الانتقام من أعداء الله. (فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ، أي : من الأمور التي يعزم عليها ، وينافس فيها ، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم والهمم العالية كما قال تعالى : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).
[١٨٧] الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد ، وهذا الميثاق أخذه الله تعالى ، على كل من أعطاه الله الكتب ، وعلمه العلم ، أن يبين للناس ما يحتاجون إليه مما علمه الله ، ولا يكتمهم ذلك ، ويبخل عليهم به ، خصوصا إذا سألوه ، أو وقع ما يوجب ذلك ، فإن كل من عنده علم ، يجب عليه في تلك الحال ، أن يبينه ، ويوضح الحق من الباطل. فأما الموفقون ، فقاموا بهذا أتم القيام ، وعلموا الناس مما علمهم الله ، ابتغاء مرضاة ربهم ، وشفقة على الخلق ، وخوفا من إثم الكتمان. وأما الذين أوتو الكتاب ، من اليهود والنصارى ، ومن شابههم ، فنبذوا هذه العهود والمواثيق ، وراء ظهورهم ، فلم يعبأوا بها ، فكتموا الحق ، وأظهروا الباطل ، وتجرؤوا على محارم الله ، وتهاونوا بحقوقه تعالى ، وحقوق الخلق ، واشتروا بذلك الكتمان ، ثمنا قليلا. وهو ما يحصل لهم إن حصل ، من بعض الرياسات ، والأموال الحقيرة ، من سفلتهم المتبعين أهواءهم ، المقدمين شهواتهم على الحق. (فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) ، لأنه أخس العوض ، والذي رغبوا عنه ـ وهو بيان الحق ، الذي فيه السعادة الأبدية ، والمصالح الدينية والدنيوية ـ أعظم المطالب وأجلها. فلم يختاروا الدين الخسيس ويتركوا العالي النفيس ، إلا لسوء حظهم ، وهوانهم ، وكونهم لا يصلحون لغير ما خلقوا له.
[١٨٨] ثم قال تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) ، أي : من القبائح ، والباطل القولي والفعلي. (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) ، أي : بالخير الذي لم يفعلوه ، والحق الذي لم يقولوه ، فجمعوا بين فعل الشر وقوله ، والفرح بذلك ، ومحبة أن يحمدوا على فعل الخير الذي ما فعلوه. (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) ، أي : بمحل نجوة منه وسلامة ، بل قد استحقوه ، وسيصيرون إليه ، ولهذا قال : (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ). ويدخل في هذه الآية الكريمة ، أهل الكتاب الذين فرحوا بما عندهم من العلم ، ولم ينقادوا للرسول ، وزعموا أنهم المحقون في حالهم ومقالهم ، وكذلك كل من ابتدع بدعة قولية أو فعلية ، وفرح بها ، ودعا إليها ، وزعم أنه محق وغيره مبطل ، كما هو الواقع من