نؤمن لرسول ، حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، فجمعوا بين الكذب على الله ، وحصر آية الرسل بما قالوه ، من هذا الإفك المبين ، وأنهم إن لم يؤمنوا برسول ، لم يأتهم بقربان تأكله النار ، فهم ـ في ذلك ـ مطيعون لربهم ، ملتزمون عهده. وقد علم أن كل رسول يرسله الله ، يؤيده من الآيات والبراهين ، بما على مثله آمن البشر ، ولم يقصرها على ما قالوه ، ومع هذا ، فقد قالوا إفكا لم يلتزموه ، وباطلا لم يعملوا به. ولهذا أمر الله رسوله أن يقول لهم : (قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ) الدالات على صدقهم (وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) ، بأن أتاكم بقربان تأكله النار (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، أي : في دعواكم الإيمان برسول يأتيكم بقربان تأكله النار ، فقد تبين بهذا كذبهم ، وعنادهم ، وتناقضهم.
[١٨٤] ثم بشر رسوله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) ، أي : هذه عادة الظالمين ، ودأبهم ، الكفر بالله ، وتكذيب رسل الله ، وليس تكذيبهم لرسل الله ، عن تصور بما أتوا به ، أو عدم تبين حجة ، بل قد (جاؤُ بِالْبَيِّناتِ) ، أي : الحجج العقلية ، والبراهين النقلية. (وَالزُّبُرِ) ، أي : الكتب المزبورة ، المنزلة من السماء ، التي لا يمكن أن يأتي بها غير الرسل. (وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) للأحكام الشرعية ، وبيان ما اشتملت عليه من المحاسن العقلية ، ومنير أيضا للأخبار الصادقة ، فإذا كان هذا عادتهم في عدم الإيمان بالرسل ، الذين هذا وصفهم ، فلا يحزنك أمرهم ، ولا يهمك شأنهم.
[١٨٥] ثم قال تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) ، الآية. هذه الآية الكريمة ، فيها التزهيد في الدنيا بفنائها ، وعدم بقائها ، وأنها متاع الغرور ، تفتن بزخرفها ، وتخدع بغرورها ، وتغر بمحاسنها ، ثم هي منتقلة ، ومنتقل عنها ، إلى دار القرار ، التي توفى فيها النفوس ، ما عملت في هذه الدار ، من خير وشر. (فَمَنْ زُحْزِحَ) ، أي : أخرج ، (عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) ، أي : حصل له الفوز العظيم ، بالنجاة من العذاب الأليم ، والوصول إلى جنات النعيم ، التي فيها ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. ومفهوم الآية ، أن من لم يزحزح عن النار ، ويدخل الجنة ، فإنه لم يفز ، بل قد شقي الشقاء الأبدي ، وابتلي بالعذاب السرمدي. وفي هذه الآية إشارة لطيفة إلى نعيم البرزخ ، وعذابه ، وأن العاملين يجزون فيه بعض الجزاء ، مما عملوه ، ويقدم لهم أنموذج مما أسلفوه. يفهم هذا من قوله : (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، أي : توفية الأعمال التامة ، إنما يكون يوم القيامة ، وأما ما دون ذلك ، فيكون في البرزخ. بل قد يكون قبل ذلك في الدنيا كقوله : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ).
[١٨٦] يخبر تعالى ويخاطب المؤمنين أنهم سيبتلون في أموالهم ، من النفقات الواجبة والمستحبة ، من التعريض لإتلافها ، في سبيل الله ، وفي أنفسهم من التكليف بأعباء التكاليف الثقيلة ، على كثير من الناس ، كالجهاد في سبيل الله ، والتعرض فيه للتعب ، والقتل ، والأسر ، والجراح ، وكالأمراض التي تصيبه في نفسه ، أو فيمن يحب.
(وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) من الطعن فيكم ، وفي