الأليم ، والخزي الدائم. فعياذا بك اللهم من كل سوء.
[٣٨] ثم أخبر عن النفقة الصادرة ، عن رياء وسمعة ، وعدم إيمان به ، فقال : (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) أي : ليروهم ، ويمدحوهم ، ويعظموهم. (وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي : ليس إنفاقهم صادرا عن إخلاص وإيمان بالله ، ورجاء ثوابه. أي : فهذا من خطوات الشيطان وأعماله ، التي يدعو حزبه إليها ، ليكونوا من أصحاب السعير. وصدرت منهم بسبب مقارنته لهم وأزهم إليها ، فلهذا قال : (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) أي : بئس المقارن والصاحب الذي يريد إهلاك من قارنه ، ويسعى فيه أشد السعي. فكما أن من بخل بما أتاه الله ، وكتم ما منّ الله عليه ، عاص آثم ، مخالف لربه. فكذلك من أنفق وتعبّد لغير الله ، فإنه آثم عاص لربه ، مستوجب للعقوبة. لأن الله إنما أمر بطاعته ، وامتثال أمره ، على وجه الإخلاص ، كما قال تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) فهذا هو العمل المقبول الذي يستحق صاحبه المدح والثواب ، فلهذا حث تعالى عليه بقوله : (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية.
[٣٩] أي : أي شيء عليهم ، وأي حرج ومشقة ، تلحقهم ، لو حصل منهم ، الإيمان بالله ، الذي هو الإخلاص ، وأنفقوا من أموالهم ، التي رزقهم الله ، وأنعم بها عليهم ، فجمعوا بين الإخلاص والإنفاق. ولما كان الإخلاص ، سرا بين العبد وربه ، لا يطّلع عليه إلا الله ، أخبر تعالى بعلمه بجميع الأحوال فقال : (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً).
[٤٠] يخبر تعالى عن كمال عدله وفضله ، وتنزهه عمّا يضاد ذلك ، من الظلم القليل ، والكثير فقال : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) أي : ينقصها من حسنات عبده ، أو يزيدها في سيئاته. كما قال تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٨). (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها) أي : إلى عشرة أمثالها : أي أكثر من ذلك ، بحسب حالها ونفعها ، وحال صاحبها ، إخلاصا ومحبة وكمالا. (وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) أي : زيادة على ثواب العمل بنفسه ، من التوفيق لأعمال أخر ، وإعطاء البر الكثير ، والخير الغزير.
[٤١] ثم قال تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (٤١) أي : كيف تكون تلك الأحوال ، وكيف يكون ذلك الحكم العظيم ، الذي جمع أن من حكم به ، كامل العلم ، كامل العدل ، كامل الحكمة ، بشهادة أزكى الخلق ، وهم الرسل ، على أممهم ، مع إقرار المحكوم عليه؟ فهذا ـ والله ـ الحكم ، الذي هو أعم الأحكام ، وأعدلها ، وأعظمها. وهناك يبقى المحكوم عليهم مقرين له ، لكمال الفضل والعدل ، والحمد والثناء. وهناك يسعد أقوام ، بالفوز والفلاح ، والعز والنجاح. ويشقى أقوام ، بالخزي والفضيحة ، والعذاب المبين.
[٤٢] ولهذا قال : (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ) أي : جمعوا بين الكفر بالله ورسوله ، ومعصية الرسول (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) أي : تبتلعهم ، ويكونون ترابا وعدما ، كما قال تعالى : (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً). (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) أي : بل يعترفون له بما عملوا ، وتشهد عليهم ألسنتهم ، وأيديهم ، وأرجلهم ، بما