ورسوله. ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون.
[٦٣] ولهذا قال : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ) أي : من النفاق والقصد السيّء. (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) أي : لا تبال لهم ولا تقابلهم على ما فعلوه واقترفوه. (وَعِظْهُمْ) أي : بين لهم حكم الله تعالى ، مع الترغيب في الانقياد لله ، والترهيب من تركه. (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) أي : أنصحهم سرا ، بينك وبينهم ، فإنه أنجح لحصول المقصود ، وبالغ في زجرهم وقمعهم ، عمّا كانوا عليه. وفي هذا دليل على أن مقترف المعاصي ، وإن أعرض عنه ، فإنه ينصح سرا ، ويبالغ في وعظه ، بما يظن حصول المقصود به.
[٦٤] يخبر تعالى خبرا ، في ضمنه الأمر ، والحث على طاعة الرسول ، والانقياد له. وأن الغاية من إرسال الرسل ، أن يكونوا مطاعين ، ينقاد لهم المرسل إليهم في جميع ما أمروا به ، ونهوا عنه ، وأن يكونوا معظمين ، تعظيم المطاع من المطيع. وفي هذا إثبات عصمة الرسل ، فيما يبلغونه عن الله ، وفيما يأمرون به وينهون عنه ؛ لأن الله ، أمر بطاعتهم مطلقا ، فلو لا أنهم معصومون لا يشرعون ما هو خطأ ، لما أمر بذلك مطلقا. وقوله : (بِإِذْنِ اللهِ) أي : الطاعة من المطيع ، صادرة بقضاء الله وقدره. ففيه إثبات القضاء والقدر ، والحث على الاستعانة بالله ، وبيان أنه لا يمكن الإنسان ـ إن لم يعنه الله ـ أن يطيع الرسول. ثم أخبر عن كرمه العظيم وجوده ، ودعوته لمن اقترفوا السيئات ـ أن يعترفوا ويتوبوا ، ويستغفروا الله فقال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ) أي : معترفين بذنوبهم ، باخعين بها. (فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) أي : لتاب عليهم بمغفرته ظلمهم ، ورحمهم بقبول التوبة والتوفيق لها ، والثواب عليها. وهذا المجيء إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ، مختص بحياته ؛ لأن السياق يدل على ذلك ، لكون الاستغفار من الرسول ، لا يكون إلا في حياته. وأما بعد موته ، فإنه لا يطلب منه شيء ، بل ذلك شرك.
[٦٥] ثم أقسم تعالى بنفسه الكريمة ، أنهم لا يؤمنون ، حتى يحكموا رسوله ، فيما شجر بينهم أي : في كل شيء يحصل فيه اختلاف. بخلاف مسائل الإجماع ، فإنها لا تكون إلا مستندة للكتاب والسنّة. ثم لا يكفي هذا التحكيم ، حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق ، وكونهم يحكمونه على وجه الإغماض. ثم لا يكفي هذا التحكيم ، حتى يسلموا لحكمه تسليما ، بانشراح صدر ، وطمأنينة نفس ، وانقياد بالظاهر والباطن. فالتحكيم في مقام الإسلام ، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان ، والتسليم في مقام الإحسان. فمن استكمل هذه المراتب ، وكملها ، فقد استكمل مراتب الدين كلها. ومن ترك هذا التحكيم المذكور ، غير ملتزم له فهو كافر. ومن تركه ـ مع التزامه ـ فله حكم أمثاله من العاصين.
[٦٦] يخبر تعالى ، أنه لو كتب على عباده ، الأوامر الشاقة على النفوس ، من قتل النفوس ، والخروج من الديار ، لم يفعله إلا القليل منهم والنادر. فليحمدوا ربهم ، وليشكروه ، على تيسير ما أمرهم به ، من الأوامر التي تسهل على كل أحد ، ولا يشق فعلها. وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي ، أن يلحظ العبد ، ضد ما هو فيه ، من المكروهات ، لتخف