ومن مختصر ، يقتصر على بعض الألفاظ اللغوية ، بقطع النظر عن المراد.
وكان الذي ينبغي في ذلك ، أن يجعل المعنى ، هو المقصود ، واللفظ وسيلة إليه. فينظر في سياق الكلام ، وما سيق لأجله ، ويقابل بينه وبين نظيره ، في موضع آخر ؛ ويعرف أنه سيق لهداية الخلق كلهم ، عالمهم وجاهلهم ، حضريّهم وبدويهم.
فالنظر لسياق الآيات ، مع العلم بأحوال الرسول وسيرته مع أصحابه وأعدائه ، وقت نزوله ، من أعظم ما يعين على معرفته ، وفهم المراد منه. خصوصا إذا انضم إلى ذلك ، معرفة علوم العربية ، على اختلاف أنواعها.
فمن وفق لذلك ، لم يبق عليه إلا الإقبال على تدبره وتفهمه وكثرة التفكر في ألفاظه ومعانيه ، ولوازمها ، وما تتضمنه ، وما تدل عليه ، منطوقا ومفهوما. فإذا بذل وسعه في ذلك ، فالرب أكرم من عبده ، فلا بد أن يفتح عليه من علومه ، أمورا لا تدخل تحت كسبه.
ولما منّ الباري عليّ وعلى إخواني ، بالاشتغال بكتابه العزيز بحسب الحال اللائقة بنا ، أحببت أن أرسم من تفسير كتاب الله ، ما تيسر ، وما منّ به الله علينا ، ليكون تذكرة للمحصلين ، وآلة للمستبصرين ، ومعونة للسالكين ، ولأقيده (١) خوف الضياع.
ولم يكن قصدي في ذلك ، إلّا أن يكون المعنى ، هو المقصود. ولم أشتغل في حل الألفاظ والعقود ، للمعنى الذي ذكرت. ولأن المفسرين قد كفوا من بعدهم ، فجزاهم الله عن المسلمين خيرا.
والله أرجو ، وعليه أعتمد ، أن ييسر ما قصدت ، ويذلل ما أردت ، فإنه ، إن لم ييسر الله ، فلا سبيل إلى حصوله ، وإن لم يعن عليه ، فلا طريق إلى نيل العبد مأموله.
وأسأله تعالى ، أن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، وأن ينفع به النفع العميم ، إنه جواد كريم. اللهم صل على محمد.
تنبيه
اعلم أن طريقتي في هذا التفسير أني أذكر عند كل آية ما يحضرني من معانيها ، ولا أكتفي بذكر ما تعلق بالمواضع السابقة عن ذكر ما تعلق بالمواضع اللاحقة ، لأن الله وصف هذا الكتاب أنه «مثاني» تثنى فيه الأخبار والقصص والأحكام وجميع المواضيع النافعة لحكم عظيمة ، وأمر بتدبره جميعه لما في ذلك من زيادة العلوم والمعارف ، وصلاح الظاهر والباطن ، وإصلاح الأمور كلها.
__________________
(١) كذا في الأصل والصواب أن يقال : «وقيدته».