وإحسانه الواسع الشامل. فيغني الزوج بزوجة ، خير له منها ، ويغنيها من فضله. وإن انقطع نصيبها من زوجها ، فإن رزقها على المتكفل بأرزاق جميع الخلق ، القائم بمصالحهم ، ولعل الله يرزقها ، زوجا خيرا منه. (وَكانَ اللهُ واسِعاً) أي : كثير الفضل ، واسع الرحمة. وصلت رحمته وإحسانه ، إلى حيث وصل إليه علمه. وكان ـ مع ذلك ـ (حَكِيماً) أي : يعطي بحكمته ، ويمنع لحكمته. فإذا اقتضت حكمته منع بعض عباده ، من إحسانه ، بسبب في العبد ، لا يستحق معه الإحسان ـ حرمه ، عدلا وحكمة.
[١٣١] يخبر تعالى ، عن عموم ملكه العظيم الواسع ، المستلزم تدبيره ، بجميع أنواع التدبير ، وتصرفه بأنواع التصريف ، قدرا ، وشرعا. فتصرفه الشرعي ، أن وصى الأولين والآخرين ، أهل الكتب السابقة واللاحقة ـ بالتقوى المتضمنة للأمر والنهي ، وتشريع الأحكام ، والمجازاة لمن قام بهذه الوصية ، بالثواب ، والمعاقبة لمن أهملها وضيعها ، بأليم العذاب. ولهذا قال : (وَإِنْ تَكْفُرُوا) بأن تتركوا تقوى الله ، وتشركوا بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا ، فإنكم لا تضرون بذلك ، إلا أنفسكم ، ولا تضرون الله شيئا ، ولا تنقصون ملكه. وله عبيد خير منكم ، وأعظم ، وأكثر ، مطيعون له ، خاضعون لأمره. ولهذا رتب على ذلك قوله : (وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيداً) له الجود الكامل والإحسان الشامل الصادر من خزائن رحمته ، التي لا ينقصها الإنفاق ، ولا يغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار. لو اجتمع أهل السماوات ، وأهل الأرض ، أولهم وآخرهم ، فسأل كل واحد منهم ، ما بلغت أمانيه ، ما نقص من ملكه شيئا. ذلك بأنه جواد واجد ماجد ، عطاؤه كلام ، وعذابه كلام. (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). ومن تمام غناه ، أنه كامل الأوصاف. إذ لو كان فيه نقص بوجه من الوجوه ، لكان فيه نوع افتقار إلى ذلك الكمال. بل ، له كل صفة كمال ، ومن تلك الصفة كمالها. ومن تمام غناه ، أنه لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، ولا شريكا في ملكه ، ولا ظهيرا ، ولا معاونا له على شيء ، من تدابير ملكه. ومن كمال غناه ، افتقار العالم العلوي والسفلي ، في جميع أحوالهم وشؤونهم ، إليه ، وسؤالهم إياه ، جميع حوائجهم الدقيقة والجليلة. فقام تعالى بتلك المطالب والأسئلة ، وأغناهم وأقناهم ، ومنّ عليهم بلطفه ، وهداهم. وأما الحميد ، فهو من أسماء الله تعالى الجليلة ، الدال على أنه هو المستحق لكل حمد ، ومحبة ، وثناء وإكرام. وذلك لما اتصف به من صفات الحمد ، التي هي صفة الجمال والجلال ، ولما أنعم به على خلقه من النعم الجزال ، فهو المحمود على كل حال. وما أحسن اقتران هذين الاسمين الكريمين الغنى الحميد فإنه غني محمود ، فله كمال من غناه ، وكمال من حمده ، وكمال من اقتران أحدهما بالآخر.
[١٣٢] ثم كرر إحاطة ملكه ، لما في السموات والأرض ، وأنه على كل شيء وكيل. أي : عالم قائم بتدبير الأشياء ، على وجه الحكمة ، فإن ذلك ، من تمام الوكالة. فإن الوكالة تستلزم العلم ، بما هو وكيل عليه ، والقوة ، والقدرة على تنفيذه وتدبيره وكون ذلك التدبير على وجه الحكمة والمصلحة. فما نقص من ذلك ، فهو لنقص بالوكيل. والله تعالى منزه عن كل نقص. أي : هو الغني الحميد الذي له القدرة الكاملة والمشيئة النافذة فيكم.
[١٣٣] (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) غيركم ، هم أطوع لله منكم وخير منكم. وفي هذا تهديد للناس على إقامتهم على كفرهم ، وإعراضهم عن ربهم ، فإن الله لا يعبأ بهم شيئا ، إن لم يطيعوه ، ولكنه يمهل ، ويملي ، ولا يهمل.
[١٣٤] ثم أخبر أن من كانت همته وإرادته دنية ، غير متجاوزة ثواب الدنيا ، وليس له إرادة في الآخرة ، فإنه قد قصر سعيه ونظره ، ومع ذلك فلا يحصل له من ثواب الدنيا ، سوى ما كتب الله له منها. فإنه تعالى ، هو المالك لكل شيء ، الذي عنده ثواب الدنيا والآخرة ، فليطلبا منه ، وليستعن به عليهما. فإنه لا ينال ما عنده إلا بطاعته ، ولا تدرك الأمور الدينية والدنيوية إلا بالاستعانة به ، والافتقار إليه على الدوام. وله الحكمة تعالى ، في توفيق من يوفقه ،