وقد نهوا عنه. فمنعوا المحتاجين ، ممن يبايعونه عن العدل. فعاقبهم الله من جنس فعلهم ، فمنعهم من كثير من الطيبات ، التي كانوا بصدد حلها ، لكونها طيبة. وأما التحريم الذي على هذه الأمة ، فإنه تحريم ، تنزيها لهم عن الخبائث التي تضرهم ، في دينهم ودنياهم.
[١٦٢] لما ذكر معايب أهل الكتاب ، ذكر الممدوحين منهم فقال : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) أي : الذين ثبت العلم في قلوبهم ، ورسخ الإيقان في أفئدتهم ، فأثمر لهم الإيمان التام العام (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) وأثمر لهم الأعمال الصالحة ، من إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، الذين هما أفضل الأعمال. وقد اشتملتا على الإخلاص للمعبود ، والإحسان إلى العبيد. وآمنوا باليوم الآخر ، فخافوا الوعيد ، ورجوا الوعد. (أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) لأنهم جمعوا بين العلم والإيمان ، والعمل الصالح ، والإيمان بالكتب ، والرسل السابقة واللاحقة.
[١٦٣] يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله ، من الشرع العظيم ، والأخبار الصادقة ، ما أوحى إلى هؤلاء الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام ، وفي هذا عدة فوائد : منها : أن محمدا صلىاللهعليهوسلم ، ليس ببدع من الرسل ، بل أرسل الله قبله من المرسلين ، العدد الكثير ، والجم الغفير ، فاستغراب رسالته لا وجه له إلا الجهل والعناد. ومنها : أنه أوحى إليه ، كما أوحى إليهم ، في الأصول ، والعدل الذي اتقوا عليه ، وأن بعضهم يصدق بعضا ، ويوافق بعضهم بعضا. ومنها : أنه من جنس هؤلاء الرسل ، فليعتبره المعتبر ، بإخوانه المرسلين. فدعوته ، دعوتهم ؛ وأخلاقهم متفقة ؛ ومصدرهم واحد ؛ وغايتهم واحدة. فلم يقرنه بالمجهولين ؛ ولا بالكذابين ، ولا بالملوك الظالمين. ومنها : أن في ذكر هؤلاء الرسل وتعدادهم ، من التنويه بهم ، والثناء الصادق عليهم ، وشرح أحوالهم ، مما يزداد به المؤمن ، إيمانا بهم ، ومحبة لهم ، واقتداء بهديهم ، واستنانا بسنتهم ، ومعرفة بحقوقهم ، ويكون ذلك مصداقا لقوله : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) (٧٩) (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) (١٠٩) (سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) (١٢٠) (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٨٠). فكل محسن ، له من الثناء الحسن بين الأنام ، بحسب إحسانه. والرسل ـ خصوصا هؤلاء المسمون ـ في المرتبة العليا من الإحسان. ولما ذكر اشتراكهم بوحيه ، ذكر تخصيص بعضهم. فذكر أنه : آتى داود الزبور ، وهو الكتاب المعروف ، المزبور الذي خص الله به داود عليهالسلام ، لفضله وشرفه. وأنه كلّم موسى تكليما ، أي : مشافهة منه إليه ، لا بواسطة ، حتى اشتهر بهذا عند العالمين ، فيقال : «موسى كليم الرحمن».
[١٦٤] وذكر أن الرسل ، منهم من قصه الله على رسوله ، ومنهم من لم يقصصه عليه. وهذا يدل على كثرتهم ، وأن الله أرسلهم مبشرين لمن أطاع الله واتبعهم ، بالسعادة الدنيوية والأخروية ، ومنذرين من عصى الله ، وخالفهم بشقاوة الدارين ، (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) فيقولوا : (ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) قل (فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ).
[١٦٥] فلم يبق للخلق على الله حجة لإرساله الرسل تترى ، يبينون لهم أمر دينهم ، ومراضي ربهم ومساخطه ،