وَجَدْتُمُوهُمْ) وغير ذلك من العمومات ، التي فيها الأمر بقتال الكفار مطلقا ، والوعيد في التخلف عن قتالهم مطلقا. وبأن النبي صلىاللهعليهوسلم ، قاتل أهل الطائف ، في ذي القعدة ، وهو من الأشهر الحرم. وقال آخرون : إن النهي عن القتال في الأشهر الحرم ، غير منسوخ لهذه الآية وغيرها ، مما فيه النهي عن ذلك بخصوصه. وحملوا النصوص المطلقة الواردة على ذلك ، وقال : المطلق يحمل على المقيد. وفصل بعضهم فقال : لا يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم ، وأما استدامته ، وتكميله ، إذا كان أوله في غيرها ، فإنه يجوز. وحملوا قتال النبي صلىاللهعليهوسلم ، لأهل الطائف على ذلك ، لأن أول قتالهم في «حنين» في «شوال». وكل هذا في القتال الذي ليس المقصود منه الدفع. فأما قتال الدفع ـ إذا ابتدأ الكفار المسلمين بالقتال ـ فإنه يجوز للمسلمين القتال ، دفعا عن أنفسهم ، في الشهر الحرام وغيره ، بإجماع العلماء. وقوله : (وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ) أي : ولا تحلوا الهدي الذي يهدى إلى بيت الله ، في حج ، أو عمرة ، أو غيرها ، من نعم وغيرها ، فلا تصدوه عن الوصول إلى محله ، ولا تأخذوه بسرقة أو غيرها ، ولا تقصروا به ، أو تحملوه ما لا يطيق ، خوفا من تلفه ، قبل وصوله إلى محله ، بل عظموه ، وعظموا من جاء به. (وَلَا الْقَلائِدَ) هذا نوع خاص من أنواع الهدي ، وهو الهدي الذي يفتل له قلائد أو عرى ، فيجعل في أعناقه ، إظهارا لشعائر الله ، وحملا للناس على الاقتداء ، وتعليما لهم للسنة ، وليعرف أنه هدي ، فيحرم ، ولهذا كان تقليد الهدي من السنّة والشعائر المسنونة. (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) أي : قاصدين له (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) أي : من قصد هذا البيت الحرام ، وقصده فضل الله بالتجارة ، والمكاسب المباحة ، أو قصده رضوان الله ، بحجة وعمرة ، والطواف به ، والصلاة ، وغيرها من أنواع العبادات ، فلا تتعرضوا له بسوء ، ولا تهينوه ، بل أكرموه ، وعظموا الوافدين الزائرين لبيت ربكم. ودخل في هذا ، الأمر بتأمين الطرق الموصلة إلى بيت الله ، وجعل القاصدين له ، مطمئنين مستريحين ، غير خائفين على أنفسهم من القتل فما دونه ، ولا على أموالهم من المكس والنهب ونحو ذلك. وهذه الآية الكريمة مخصوصة بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا). فالمشرك ، لا يمكّن من الدخول إلى الحرم. والتخصيص في هذه الآية ، بالنهي عن التعرض لمن قصد البيت ، ابتغاء فضل الله أو رضوانه ـ يدل على أن من قصده ، ليلحد فيه بالمعاصي ، فإن من تمام احترام الحرم ، صد من هذه حاله ، عن الإفساد ببيت الله ، كما قال تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ). ولما نهاهم عن الصيد في حال الإحرام قال : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) أي : إذا حللتم من الإحرام ، بالحج والعمرة ، حل لكم الاصطياد ، وزال ذلك التحريم. والأمر بعد التحريم ، يرد الأشياء إلى ما كانت عليه من قبل. (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا) أي : لا يحملنكم بغض قوم ، وعداوتهم ، واعتداؤهم عليكم ، حيث صدوكم عن المسجد ، على الاعتداء عليهم ، طلبا للاشتفاء منهم ، فإن العبد عليه أن يلتزم أمر الله ، ويسلك طريق العدل ، ولو جني عليه ، أو ظلم ، واعتدي عليه. فلا يحل له أن يكذب على من كذب عليه ، أو يخون من خانه. (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) أي : ليعن بعضكم بعضا على البر. وهو : اسم جامع لكل من يحبه الله ويرضاه ، من الأعمال الظاهرة والباطنة ، من حقوق الله ، وحقوق الآدميين. والتقوى في هذا الموضع : اسم جامع ، لترك كل ما يكرهه الله ورسوله ، من الأعمال الظاهرة والباطنة. وكل خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها ، أو خصلة من خصال الشر المأمور بتركها ، فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه ، وبمعاونة غيره عليها من إخوانه المؤمنين ، بكل قول يبعث عليها ، وينشط لها ، وبكل فعل كذلك. (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ) وهو التجري على المعاصي ، التي يأثم صاحبها ، ويجرح. (وَالْعُدْوانِ) هو : التعدي على الخلق ، في دمائهم ، وأموالهم ، وأعراضهم. فكل معصية وظلم ، يجب على العبد ، كف نفسه عنه ، ثم إعانة غيره على تركه. (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) على من عصاه ، وتجرأ على محارمه. فاحذروا المحارم ، لئلا يحل بكم عقابه العاجل والآجل.