غاية الضرر (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من الشركاء الّذين زعموهم مع الله ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
[٢٥] أي : ومن هؤلاء المشركين ، قوم يحملهم بعض الأوقات ، بعض الدواعي إلى الاستماع. ولكنه استماع خال من قصد الحقّ واتباعه ، ولهذا لا ينتفعون بذلك الاستماع ، لعدم إرادتهم للخير. (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أي : أغطية وأغشية ، لئلا يفقهوا كلام الله ، فصان كلامه عن أمثال هؤلاء. (وَفِي آذانِهِمْ) جعلنا (وَقْراً) أي : صمما ، فلا يستمعون ما ينفعهم. (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) ، وهذا غاية الظلم والعناد ، أن الآيات البينات الدالة على الحقّ ، لا ينقادون لها ، ولا يصدقون بها ، بل يجادلون بالباطل ، ليدحضوا به الحقّ. ولهذا قال : (حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي : مأخوذ من صحف الأولين المسطورة ، التي ليست عن الله ، ولا عن رسله. وهذا من كفرهم ، وإلا فكيف يكون هذا الكتاب الحاوي لأنباء السابقين واللاحقين ، والحقائق التي جاءت بها الأنبياء والمرسلون ، والحقّ ، والقسط ، والعدل التام ، من كل وجه ، أساطير الأولين؟
[٢٦] وهم : أي المشركون بالله ، المكذبون لرسوله ، يجمعون بين الضلال والإضلال. ينهون الناس عن اتباع الحقّ ، ويحذرونهم منه ، ويبعدون بأنفسهم عنه. ولن يضرّوا الله ولا عباده المؤمنين ، بفعلهم هذا ، شيئا ، (وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) بذلك.
[٢٧ ـ ٢٨] يقول تعالى ـ مخبرا عن حال المشركين يوم القيامة ، وإحضارهم النار : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) ليوبخوا ويقرعوا ، لرأيت أمرا هائلا ، وحالا مفظعة. ولرأيتهم كيف أقروا على أنفسهم بالكفر والفسوق ، وتمنوا أن لو يردون إلى الدنيا. (فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ). فإنهم كانوا يخفون في أنفسهم ، أنهم كانوا كاذبين ، ويبدو في قلوبهم ، في كثير من الأوقات. ولكن الأغراض الفاسدة ، صدتهم عن ذلك ، وصدفت قلوبهم عن الخير ، وهم كذبة في هذه الأمنية وإنّما قصدهم ، أن يدفعوا بها عن أنفسهم العذاب. (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ).
[٢٩] (وَقالُوا) منكرين للبعث (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) أي : ما حقيقة الحال والأمر وما المقصود من إيجادنا ، إلا الحياة الدنيا وحدها. (وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ).
[٣٠] أي : (وَلَوْ تَرى) الكافرين (إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) لرأيت أمرا عظيما ، وهولا جسيما. (قالَ) لهم موبخا ومقرعا (أَلَيْسَ هذا) الذي ترون من العذاب (بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا) فأقروا ، واعترفوا ، حيث لا ينفعهم ذلك. (قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).
[٣١] أي : قد خاب وخسر ، وحرم الخير كله ، من كذّب بلقاء الله ، فأوجب له هذا التكذيب ، الاجتراء على المحرمات ، واقتراف الموبقات. (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ) وهم على أقبح حال وأسوئه ، فأظهروا غاية الندم. (قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها) ولكن هذا تحسّر ذهب وقته. (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ). فإن وزرهم