والأقوال ، الظاهرة والباطنة ، التي من قام بها ، فقد قبل النذارة. فهذا القرآن ، فيه النذارة لكم ، أيها المخاطبون ، وكل من بلغه القرآن إلى يوم القيامة ، فإن فيه بيان كل ما يحتاج إليه من المطالب الإلهية. لما بيّن تعالى شهادته ، التي هي أكبر الشهادات على توحيده ، قال : قل لهؤلاء المعارضين لخبر الله ، والمكذبين لرسله : (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ) أي : إن شهدوا ، فلا تشهد معهم. فوازن بين شهادة أصدق القائلين ، ورب العالمين ، وشهادة أزكى الخلق المؤيدة بالبراهين القاطعة والحجج الساطعة ، على توحيد الله ، وحده لا شريك له ، وشهادة أهل الشرك ، الّذين مرجت عقولهم وأديانهم ، وفسدت آراؤهم وأخلاقهم ، وأضحكوا على أنفسهم العقلاء. بل خالفت شهادتهم فطرهم ، وتناقضت أقوالهم على إثبات أن مع الله آلهة أخرى. مع أنه لا يقوم على ما خالفوه أدنى شبهة ، فضلا عن الحجج. واختر لنفسك أي الشهادتين ، إن كنت تعقل. ونحن نختار لأنفسنا ، ما اختاره الله لنبيه ، الذي أمرنا الله بالاقتداء به فقال : (قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) أي : منفرد ، لا يستحق العبودية والإلهية سواه ، كما أنه المنفرد بالخلق والتدبير. (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) به ، من الأوثان ، والأنداد ، وكل ما أشرك به مع الله. فهذا حقيقة التوحيد ، إثبات الإلهية لله ونفيها عمّا عداه.
[٢٠] لما بيّن شهادته ، وشهادة رسوله على التوحيد ، وشهادة المشركين ، الّذين لا علم لديهم على ضده ، ذكر أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى. (يَعْرِفُونَهُ) أي : يعرفون صحة التوحيد (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) أي : لا شك عندهم فيه ، بوجه ، كما أنهم لا يشتبهون بأولادهم ، خصوصا البنين الملازمين في الغالب لآبائهم. ويحتمل أن الضمير ، عائد إلى الرسول محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأن أهل الكتاب لا يشتبهون بصحة رسالته ، ولا يمترون بها ، لما عندهم من البشارات به ، ونعوته التي تنطبق عليه ، ولا تصلح لغيره. والمعنيان متلازمان. قوله : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) أي : فوتوها ما خلقت له ، من الإيمان والتوحيد ، وحرموها الفضل من الملك المجيد (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ). فإذا لم يوجد الإيمان منهم ، فلا تسأل عن الخسار والشر ، الذي يحصل لهم.
[٢١] أي : لا أعظم ظلما وعنادا ، ممن كان فيه أحد الوصفين ، فكيف لو اجتمعا ، افتراء الكذب على الله ، أو التكذيب بآياته ، التي جاء بها المرسلون ، فإن هذا ، أظلم الناس ، والظالم لا يفلح أبدا. ويدخل في هذا ، كل من كذب على الله ، بادعاء الشريك له والمعين وزعم أنه ينبغي أن يعبد غيره أو اتخذ له صاحبة أو ولدا ، وكل من رد الحقّ الذي جاءت به الرسل أو من قام مقامهم.
[٢٢ ـ ٢٤] يخبر تعالى عن مآل أهل الشرك يوم القيامة وأنهم يسألون ويوبخون فيقال لهم : (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) أي : إن الله ليس له شريك ، وإنّما ذلك على وجه الزعم منهم والافتراء (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) أي : لم يكن جوابهم حين يفتنون ويختبرون بذلك السؤال إلا إنكارهم لشركهم وحلفهم أنهم ما كانوا مشركين (انْظُرْ) متعجبا منهم ومن أحوالهم. (كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) أي : كذبوا كذبا عاد بالخسار على أنفسهم وضرهم ـ والله ـ