والرجاء لله رب العالمين؟ (السَّمِيعُ) لجميع الأصوات ، على اختلاف اللغات ، بتفنن الحاجات. (الْعَلِيمُ) بما كان ، وما يكون ، وما لم يكن ، لو كان كيف كان يكون ، المطلع على الظواهر والبواطن.
[١٤] (قُلْ) لهؤلاء المشركين بالله : (أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) من هؤلاء المخلوقات العاجزة ، يتولاني ، وينصرني؟ فلا أتّخذ من دونه تعالى وليا لأنه ، فاطر السموات والأرض ، أي : خالقهما ومدبرهما. (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) أي : وهو الرازق لجميع الخلق ، عن غير حاجة منه تعالى إليهم. فكيف يليق أن أتخذ وليا غير الخالق الرازق ، الغني ، الحميد؟ (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) لله بالتوحيد ، وانقاد له بالطاعة. لأني أولى من غيري ، بامتثال أوامر ربي. (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي : ونهيت أيضا ، عن أن أكون من المشركين ، لا في اعتقادهم ، ولا في مجالستهم ، ولا في الاجتماع بهم ، فهذا أفرض الفروض عليّ ، وأوجب الواجبات.
[١٥ ـ ١٦] (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) فإن المعصية في الشرك ، توجب الخلود في النار ، وسخط الجبار. وذلك اليوم ، هو اليوم الذي يخاف عذابه ، ويحذر عقابه ؛ لأنه من صرف عنه العذاب يومئذ ، فهو المرحوم ، ومن نجا فيه ، فهو الفائز حقا. كما أن من لم ينج منه ، فهو الهالك الشقي.
[١٧] ومن أدلة توحيده ، أنه تعالى ، المنفرد بكشف الضراء ، وجلب الخير والسراء. ولهذا قال : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) من فقر ، أو مرض ، أو عسر ، أو غم ، أو هم أو نحوه. (فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). فإذا كان وحده النافع الضار ، فهو الذي يستحق أن يفرد بالعبودية والإلهية.
[١٨] (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) فلا يتصرف منهم متصرف ، ولا يتحرك متحرك ، ولا يسكن ساكن ، إلا بمشيئته. وليس للملوك وغيرهم ، الخروج عن ملكه وسلطانه ، بل هم مدبرون مقهورون. فإذا كان هو القاهر ، وغيره مقهور ، كان هو المستحق للعبادة. (وَهُوَ الْحَكِيمُ) فيما أمر به ونهى ، وأثاب ، وعاقب ، وفيما خلق وقدّر. (الْخَبِيرُ) المطّلع على السرائر والضمائر ، وخفايا الأمور ، وهذا كله من أدلة التوحيد.
[١٩] (قُلْ) لهم ـ لما بينا لهم الهدى ، وأوضحنا لهم المسالك ـ : (أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) على هذا الأصل العظيم. (قُلِ اللهُ) أكبر شهادة ، فهو (شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) فلا أعظم منه شهادة ، ولا أكبر ، وهو يشهد لي بإقراره وفعله ، فيقرني على ما قلت لكم. كما قال تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) (٤٥). فالله حكيم قدير ، فلا يليق بحكمته وقدرته ، أن يقر كاذبا عليه ، زاعما أن الله أرسله ولم يرسله ، وأن الله أمره بدعوة الخلق ، ولم يأمره ، وأن الله أباح له دماء من خالفه ، وأموالهم ونساءهم ، وهو مع ذلك ، يصدقه بإقراره وبفعله ، فيؤيده على ما قال بالمعجزات الباهرة ، والآيات الظاهرة ، وينصره ، ويخذل من خالفه وعاداه ، فأي شهادة أكبر من هذه الشهادة؟ وقوله : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) أي : وأوحى الله إلي هذا القرآن ، لمنفعتكم ومصلحتكم ، لأنذركم به ، من العقاب الأليم. والنذارة ، إنّما تكون بذكر ما ينذرهم به ، من الترغيب ، والترهيب ، وببيان الأعمال