التي فيها اللبس ، وعدم بيان الحقّ. فلما جاءهم الحقّ ، بطرقه الصحيحة ، وقواعده التي هي قواعده ، لم يكن ذلك هداية لهم ، إذا اهتدى بذلك غيرهم. والذنب ذنبهم ، حيث أغلقوا على أنفسهم باب الهدى ، وفتحوا أبواب الضلال.
[١٠] يقول تعالى ـ مسليا لرسوله ، ومصبرا ومتهددا أعداءه ، ومتوعدا. (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) لما جاؤوا أممهم بالبينات ، كذبوهم واستهزؤوا بهم ، وبما جاؤوا به. فأهلكهم الله بذلك الكفر والتكذيب ، ووفر لهم من العذاب أكمل نصيب. (فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) فاحذروا ـ أيها المكذبون ـ أن تستمروا على تكذيبكم ، فيصيبكم ما أصابكم.
[١١] (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) أي : فإن شككتم في ذلك ، أو ارتبتم ، فسيروا في الأرض ، ثمّ انظروا ، كيف كان عاقبة المكذبين ، فلن تجدوا إلا قوما مهلكين ، وأمما في المثلاث تالفين. قد أوحشت منهم المنازل ، وعدم من تلك الربوع كل متمتع بالسرور نازل. أبادهم الملك الجبار ، وكان نبأهم عبرة لأولي الأبصار. وهذا السير المأمور به ، سير القلوب والأبدان ، الذي يتولد منه الاعتبار. وأما مجرد النظر من غير اعتبار ، فإن ذلك لا يفيد شيئا.
[١٢] يقول تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ) لهؤلاء المشركين ، مقررا لهم وملزما بالتوحيد : (لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : من الخالق لذلك ، المالك له ، المتصرف فيه؟ (قُلْ) لهم : (لِلَّهِ) وهم مقرون بذلك لا ينكرونه ، أفلا حين اعترفوا بانفراد الله ، بالملك والتدبير أن يعترفوا له بالإخلاص والتوحيد؟ وقوله : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أي : العالم العلوي والسفلي ، تحت ملكه وتدبيره ، وهو تعالى ، قد بسط عليهم رحمته وإحسانه ، وتغمدهم برحمته وامتنانه ، وكتب على نفه كتابا «أن رحمته تغلب غضبه» و «أن العطاء أحب إليه من المنع» و «أن الله قد فتح لجميع العباد أبواب الرحمة ، إن لم يغلقوا عليهم أبوابها بذنوبهم ، ودعاهم إليها ، إن لم تمنعهم من طلبها معاصيهم وعيوبهم». وقوله : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) وهذا قسم منه ، وهو أصدق المخبرين. وقد أقام على ذلك ، من الحجج والبراهين. ما يجعله حق اليقين. ولكن أبى الظالمون إلا جحودا ، وأنكروا قدرة الله على بعث الخلائق ، فأوضعوا في معاصيه ، وتجرأوا على الكفر به ، فخسروا دنياهم وأخراهم. ولهذا قال : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ).
[١٣] اعلم أن هذه السورة الكريمة ، قد اشتملت على تقرير التوحيد ، بكل دليل عقلي ، ونقلي. بل كادت أن تكون كلها ، في شأن التوحيد ، ومجادلة المشركين بالله ، المكذبين لرسوله. فهذه الآيات ، ذكر الله فيها ، ما يتبين به الهدى ، وينقمع به الشرك. فذكر أن (لَهُ) تعالى (ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ). وذلك هو المخلوقات كلها ، من آدميها ، وجنّها ، وملائكتها ، وحيواناتها وجماداتها. فالكل خلق مدبرون ، وعبيد مسخرون لربهم العظيم ، القاهر المالك. فهل يصح في عقل ونقل ، أن يعبد من هؤلاء المماليك ، الذي لا نفع عنده ولا ضر؟ ويترك الإخلاص للخالق ، المدبر المالك ، الضار النافع؟ أم العقول السليمة ، والفطر المستقيمة ، تدعو إلى إخلاص العبادة ، والحب ، والخوف ،