الغافل ، سرعة الوصول إلى هذه الدار.
[١٣٤] (إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) (١٣٤) لله ، فارين من عقابه ، فإن نواصيكم تحت قبضته ، وأنتم تحت تدبيره وتصرفه.
[١٣٥] (قُلْ) يا أيها الرسول لقومك : إذا دعوتهم إلى الله ، وبيّنت لهم مآلهم وما عليهم من حقوقه ، فامتنعوا من الانقياد لأمره ، واتبعوا أهواءهم ، واستمروا على شركهم : (يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) أي : على حالتكم التي أنتم عليها ، ورضيتموها لأنفسكم. (إِنِّي عامِلٌ) على أمر الله ، ومتبع لمراضي الله. (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) أنا أو أنتم. وهذا من الإنصاف ، بموضع عظيم حيث بيّن الأعمال وعامليها ، وجعل الجزاء مقرونا بنظر البصير ، ضاربا فيه صفحا ، عن التصريح الذي يغني عنه التلويح. وقد علم أن العاقبة الحسنة ، في الدنيا والآخرة ، للمتقين. وأن المؤمنين لهم عقبى الدار ، وأن كل معرض عن ما جاءت به الرسل ، عاقبته سوء وشر ، ولهذا قال : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) فكل ظالم ، وإن تمتع في الدنيا بما تمتع به ، فنهايته فيه ، الاضمحلال والتلف «إن الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته».
[١٣٦] يخبر تعالى ، عمّا عليه المشركون المكذبون للنبي صلىاللهعليهوسلم ، من سفاهة العقل ، وخفة الأحلام ، والجهل البليغ. وعدّد تبارك وتعالى شيئا من خرافاتهم ، لينبه بذلك ، على ضلالهم ، والحذر منهم ، وأن معارضة أمثال هؤلاء السفهاء للحق ، الذي جاء به الرسول ، لا تقدح فيه أصلا ، فإنهم لا أهلية لهم في مقابلة الحقّ. فذكر من ذلك أنهم (جَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) ولشركائهم من ذلك نصيبا. والحال أن الله تعالى ، هو الذي ذرأه للعباد ، وأوجده رزقا ، فجمعوا بين محذورين محظورين بل ثلاثة محاذير. منتهم على الله ، في جعلهم له نصيبا ، مع اعتقادهم أن ذلك منهم ، تبرع. وإشراك الشركاء ، الذين لم يرزقوهم ، ولم يوجدوا لهم شيئا في ذلك. وحكمهم الجائر ، في أن ما كان لله ، لم يبالوا به ، ولم يهتموا ، ولو كان واصلا إلى الشركاء. وما كان لشركائهم اعتنوا به ، واحتفظوا به ، ولم يصل إلى الله منه شيء. وذلك أنهم إذا حصل لهم ـ من زروعهم وثمارهم وأنعامهم ، التي أوجدها الله لهم ـ شيء ، جعلوه قسمين : قسما قالوا : هذا لله بقولهم وزعمهم ، وإلا فالله لا يقبل إلّا ما كان خالصا لوجهه ، ولا يقبل عمل من أشرك به. وقسما ، جعلوه حصة شركائهم من الأوثان والأنداد. فإن وصل شيء مما جعلوه لله ، واختلط بما جعلوه لغيره ، لم يبالوا بذلك. وقالوا : الله غني عنه ، فلا يردونه. وإن وصل شيء مما جعلوه لآلهتهم إلى ما جعلوه لله ، ردوه إلى محله. وقالوا : إنها فقيرة ، لا بد من رد نصيبها. فهل أسوأ من هذا الحكم. وأظلم؟ حيث جعلوا ما للمخلوق ، يجتهد فيه وينصح ، ويحفظ ، أكثر مما يفعل بحق الله. ويحتمل أن تأويل الآية الكريمة ، ما ثبت في الصحيح عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال عن الله تعالى أنه قال : «أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من أشرك معي شيئا تركته وشركه». وأن معنى الآية أن ما جعلوه ، وتقربوا به لأوثانهم ، فهو تقرب خالص لغير الله ، ليس لله منه شيء. وما جعلوه لله ـ على زعمهم ـ فإنه لا يصل إليه لكونه شركا ، بل يكون حظ الشركاء والأنداد ، لأن الله غني عنه ، لا يقبل العمل الذي أشرك به معه أحد من الخلق.
[١٣٧] ومن سفه المشركين وضلالهم ، أنه زيّن لكثير من المشركين شركاؤهم ـ أي : رؤساؤهم وشياطينهم ـ قتل أولادهم ، وهو : الوأد ، الذين يدفنون أولادهم وهم أحياء خشية الافتقار ، والإناث خشية العار. وكل هذا من خدع الشياطين ، الذين يريدون أن يردوهم بالهلاك ، ويلبسوا عليهم دينهم ، فيفعلون الأفعال التي في غاية القبح. ولا يزال شركاؤهم يزينونها لهم ، حتى تكون عندهم من الأمور الحسنة والخصال المستحسنة. ولو شاء الله أن يمنعهم ، ويحول بينهم وبين هذه الأفعال ، ويمنع أولادهم عن قتل الأبوين لهم ، ما فعلوه. ولكن اقتضت حكمته ، للتخلية بينهم وبين أفعالهم ، استدراجا منه لهم ، وإمهالا لهم ، وعدم مبالاة بما هم عليه ، ولهذا قال : (فَذَرْهُمْ وَما