الإناث الخلص من الصنفين. بقي إذا كان الرحم مشتملا على ذكر وأنثى ، أو على مجهول فقال : أم تحرمون ما (اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) أي : أنثى الضأن ، وأنثى المعز ، من غير فرق ، بين ذكر وأنثى ، فلستم تقولون أيضا بهذا القول. فإذا كنتم لا تقولون بأحد هذه الأقوال الثلاثة ، التي حصرت الأقسام الممكنة في ذلك ، فإلى أي شيء تذهبون؟ (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في قولكم ودعواكم. ومن المعلوم أنهم لا يمكنهم أن يقولوا قولا سائغا في العقل ، إلا واحدا من هذه الثلاثة. وهم لا يقولون بشيء منها. إنّما يقولون : إن بعض الأنعام التي يصطلحون عليها اصطلاحات من عند أنفسهم ، حرام على الإناث ، دون الذكور ، أو محرمة في وقت من الأوقات ، أو نحو ذلك من الأقوال ، التي يعلم علما لا شك فيه ، أن مصدرها ، من الجهل المركب ، والعقول المختلفة المنحرفة ، والآراء الفاسدة ، وأن الله ، ما أنزل ـ بما قالوه ـ من سلطان ، ولا لهم عليه ، حجة ، ولا برهان.
[١٤٤] ثمّ ذكر في الإبل والبقر مثل ذلك. فلمّا بيّن بطلان قولهم ، وفساده ، قال لهم قولا ، لا حيلة لهم في الخروج من تبعته ، إلا في اتباع شرع الله. (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) أي : لم يبق عليكم إلا دعوى ، لا سبيل لكم إلى صدقها وصحتها. وهي : أن تقولوا : إن الله وصّانا بذلك ، وأوحى إلينا كما أوحى إلى رسله. بل أوحى إلينا وحيا مخالفا لما دعت إليه الرسل ، ونزلت به الكتب. وهذا افتراء لا يجهله أحد ، ولهذا قال : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي : مع كذبه وافترائه على الله ، قصده بذلك ، ضلال عباد الله عن سبيل الله ، بغير بيّنة منه ولا برهان ، ولا عقل ولا نقل. (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) الذين لا إرادة لهم ، في غير الظلم والجور ، والافتراء على الله.
[١٤٥] لما ذكر تعالى ذم المشركين ، على ما حرموا من الحلال ، ونسبوه إلى الله ، وأبطل قولهم. أمر تعالى رسوله ، أن يبيّن للناس ، ما حرّمه الله عليهم ، ليعلموا أن ما عدا ذلك حلال. من نسب تحريمه إلى الله ، فهو كاذب مبطل ، لأن التحريم لا يكون ، إلا من عند الله على لسان رسوله ، وقد قال لرسوله : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) أي : محرما أكله ، بقطع النظر عن تحريم الانتفاع بغير الأكل وعدمه. (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) والميتة : ما مات بغير ذكاة شرعية ، فإن ذلك لا يحل. كما قال تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ). (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) وهو : الدم الذي يخرج من الذبيحة عند ذكاتها ، فإنه الدم الذي يضر احتباسه في البدن ، فإذا خرج من البدن ، زال الضرر بأكل اللحم. ومفهوم هذا اللفظ ، أن الدم الذي يبقى في اللحم والعروق بعد الذبح ، أنه حلال طاهر. (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي : فإن هذه الأشياء الثلاثة ، رجس ، أي : خبث نجس مضر ، حرمه الله ، لطفا بكم ، ونزاهة لكم عن مقاربة الخبائث. أو إلا أن تكون الذبيحة مذبوحة لغير الله ، من الأوثان ، والآلهة التي يعبدها المشركون ، فإن هذا ، من الفسق الذي هو الخروج عن طاعة الله إلى معصيته. (فَمَنِ اضْطُرَّ) أي : ومع هذا ، فهذه الأشياء المحرمات ، من اضطر إليها ، أي : حملته الحاجة والضرورة إلى أكل شيء منها ، بأن لم يكن عنده