والتحاب ، والتواصل. فبذلك تجتمع كلمتكم ، ويزول ما يحصل ـ بسبب التقاطع ـ من التخاصم ، والتشاجر والتنازع. ويدخل في إصلاح ذات البين ، تحسين الخلق لهم ، والعفو عن المسيئين منهم فإنه ـ بذلك ـ يزول كثير مما يكون في القلوب من البغضاء ، والتدابر. والأمر الجامع لذلك كله قوله : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، فإن الإيمان يدعو إلى طاعة الله ورسوله ، كما أن من لم يطع الله ورسوله ، فليس بمؤمن. ومن نقصت طاعته لله ورسوله ، فذلك لنقص إيمانه.
[٢] ولما كان الإيمان قسمين : إيمانا كاملا يترتب عليه المدح والثناء ، والفوز التام ، وإيمانا دون ذلك ، ذكر الإيمان الكامل فقال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) الألف واللام للاستغراق لشرائع الإيمان. (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) أي : خافت ورهبت ، فأوجبت لهم خشية الله تعالى ، الانكفاف عن المحارم ، فإن خوف الله تعالى ، أكبر علاماته أن يحجز صاحبه عن الذنوب. (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) ، ووجه ذلك أنهم يلقون له السمع ويحضرون قلوبهم لتدبره فعند ذلك يزيد إيمانهم ، لأن التدبر من أعمال القلوب ، ولأنه لا بد أن يبين لهم معنى ، كانوا يجهلونه ، ويتذكرون ما كانوا نسوه ، أو يحدث في قلوبهم رغبة في الخير ، واشتياقا إلى كرامة ربهم ، أو وجلا من العقوبات ، وازدجارا عن المعاصي ، وكل هذا مما يزداد به الإيمان. (وَعَلى رَبِّهِمْ) وحده ، لا شريك له (يَتَوَكَّلُونَ) أي : يعتمدون في قلوبهم على ربهم ، في جلب مصالحهم ، ودفع مضارهم الدينية ، والدنيوية ، ويثقون بأن الله تعالى سيفعل ذلك. والتوكل هو الحامل للأعمال كلها ، فلا توجد ولا تكمل إلا به.
[٣] (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) من فرائض ، ونوافل ، بأعمالها الظاهرة والباطنة ، كحضور القلب فيها ، الذي هو روح الصلاة ولبها. (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) النفقات الواجبة ، كالزكوات ، والكفارات ، والنفقة على الزوجات والأقارب ، وما ملكت أيمانهم ، والمستحبة كالصدقة في جميع طرق الخير.
[٤] (أُولئِكَ) الّذين اتصفوا بتلك الصفات (هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) لأنهم جمعوا بين الإسلام والإيمان ، بين الأعمال الباطنة ، والأعمال الظاهرة ، بين العلم والعمل ، بين أداء حقوق الله ، وحقوق عباده. وقدم تعالى أعمال القلوب ، لأنها أصل لأعمال الجوارح ، وأفضل منها ، وفيها دليل على أن الإيمان ، يزيد وينقص ، فيزيد بفعل الطاعة ، وينقص بضدها. وأنه ينبغي للعبد أن يتعاهد إيمانه وينميه ، وأن أولى ما يحصل به ذلك تدبر كتاب الله تعالى ، والتأمل لمعانيه. ثمّ ذكر ثواب المؤمنين حقا فقال : (لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي : عالية بحسب علو أعمالهم ، (وَمَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) وهو ما أعد الله لهم في دار كرامته ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. ودل هذا ، على أن من لم يصل إلى درجتهم في الإيمان ـ وإن دخل الجنة ـ فلن ينال ما نالوا ، من كرامة الله التامة.
[٥ ـ ٧] قدم تعالى ـ أمام هذه الغزوة الكبرى المباركة ـ الصفات التي على المؤمنين أن يقوموا بها ، لأن من قام بها ، استقامت أحواله ، وصلحت أعماله ، التي من أكبرها الجهاد في سبيله. فكما أن إيمانهم ، هو الإيمان الحقيقي ، وجزاءهم هو الحقّ الذي وعدهم الله به ، كذلك أخرج الله رسوله صلىاللهعليهوسلم من بيته إلى لقاء المشركين في «بدر» بالحق الذي يحبه الله تعالى ، وقد قدره وقضاه. وإن كان المؤمنون لم يخطر ببالهم في ذلك الخروج ، أن يكون بينهم وبين عدوهم قتال. فحين تبين لهم أن ذلك واقع ، جعل فريق من المؤمنين يجادلون النبي صلىاللهعليهوسلم في ذلك ، ويكرهون لقاء عدوهم ، كأنما يساقون إلى الموت ، وهم ينظرون. والحال أن هذا ، لا ينبغي منهم ، خصوصا بعد ما تبين لهم أن خروجهم بالحق ، ومما أمر الله به ، ورضيه ، فهذه الحال ، ليس للجدال فيها محل ، لأن الجدال محله وفائدته عند اشتباه الحقّ ، والتباس الأمر ، فأما إذا وضح وبان ، فليس إلا الانقياد والإذعان. هذا وكثير من المؤمنين ، لم يجر منهم من هذه المجادلة شيء ، ولا كرهوا لقاء عدوهم ، وكذلك الّذين عاتبهم الله ، انقادوا للجهاد أشد الانقياد ، وثبتهم الله ،