العقوبة في الحرب ، أن الكافر ـ ولو كان كثير الخيانة سريع الغدر ـ أنه إذا أعطي عهدا ، لا يجوز خيانته وعقوبته.
[٥٨] أي : وإذا كان بينك وبين قوم ، عهد وميثاق على ترك القتال فخفت منهم خيانة بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم من غير تصريح منهم بالخيانة. (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ) عهدهم ، أي : ارمه عليهم ، وأخبرهم أنه لا عهد بينك وبينهم. (عَلى سَواءٍ) أي : حتى يستوي علمك وعلمهم بذلك ، ولا يحل لك أن تغدرهم ، أو تسعى في شيء مما منعه ، موجب العهد ، حتى تخبرهم بذلك. (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) بل يبغضهم أشد البغض ، فلا بد من أمر بيّن ، يبرئكم من الخيانة. ودلّت الآية على أنه إذا وجدت الخيانة المحققة منهم لم يحتج أن ينبذ إليهم عهدهم ، لأنه لم يخف منهم ، بل علم ذلك ، ولعدم الفائدة ولقوله : (عَلى سَواءٍ) ، وهنا قد كان معلوما عند الجميع غدرهم. ودل مفهومها أيضا ، أنه إذا لم يخف منهم خيانة ، بأن لم يوجد منهم ما يدل على ذلك ، أنه لا يجوز نبذ العهد إليهم ، بل يجب الوفاء إلى أن تتم مدته.
[٥٩] أي : لا يحسب الكافرون بربهم ، المكذبون بآياته ، أنهم سبقوا الله وفاتوه ، فإنهم لا يعجزونه ، والله لهم بالمرصاد. وله تعالى الحكمة البالغة ، في إمهالهم ، وعدم معاجلتهم بالعقوبة ، التي من جملتها ، ابتلاء عباده المؤمنين ، وامتحانهم ، وتزودهم من طاعته ومراضيه ، ما يصلون به المنازل العالية ، واتصافهم بأخلاق وصفات لم يكونوا بغيره بالغيها ، فلهذا قال لعباده المؤمنين : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ) إلى (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ).
[٦٠] أي : (وَأَعِدُّوا) لأعدائكم الكفار ، الساعين في هلاككم ، وإبطال دينكم ، (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) أي : كل ما تقدرون عليه ، من القوة العقلية والبدنية ، وأنواع الأسلحة ونحو ذلك ، مما يعين على قتالهم. فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع ، والرشاشات ، والبنادق ، والطيارات الجوية ، والمراكب البرية والبحرية ، والقلاع ، والخنادق ، وآلات الدفاع ، والرأي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم ، وتعلّم الرّمي ، والشجاعة والتدبير. ولهذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ألا إن القوة الرّمي» ومن ذلك :
الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال ، ولهذا قال تعالى : (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) ، وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان ، وهي إرهاب الأعداء ، والحكم يدور مع علّته. فإذا كان شيء موجودا أكثر إرهابا منها ، كالسيارات البرية والهوائية ، المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد ، كانت مأمورا بالاستعداد بها ، والسعي لتحصيلها ، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلّم الصناعة ، وجب ذلك ، لأن «ما لا يتم الواجب إلا به ، فهو واجب». وقوله : (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) ممن تعلمون أنهم أعداؤكم. (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ) ممن سيقاتلونكم بعد هذا الوقت ، الذي يخاطبهم الله به (اللهُ يَعْلَمُهُمْ) فلذلك أمرهم بالاستعداد لهم. ومن أعظم ما يعين على قتالهم بذلك ، النفقات المالية في جهاد الكفار. ولهذا قال تعالى مرغبا في ذلك : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ) قليلا كان أو كثيرا (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) أجره يوم القيامة مضاعفا أضعافا كثيرة ، حتى إن النفقة في