تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ). (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ) أيها المؤمنون (عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يكون الواحد بنسبة عشرة من الكفار. وذلك (بِأَنَّهُمْ) أي : الكفار (قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) أي : لا علم عندهم بما أعد الله للمجاهدين في سبيله ، فهم يقاتلون لأجل العلو في الأرض ، والفساد فيها ، وأنتم تفقهون المقصود من القتال ، أنه لإعلاء كلمة الله ، وإظهار دينه ، والذب عن كتاب الله ، وحصول الفوز الأكبر عند الله ، وهذه كلها دواع للشجاعة والصبر والإقدام على القتال. ثمّ إن هذا الحكم خففه الله على العباد فقال : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) فلذلك اقتضت رحمته وحكمته التخفيف ، (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) بعونه وتأييده. وهذه الآيات صورتها صورة الإخبار عن المؤمنين ، بأنهم إذا بلغوا هذا المقدار المعين ، يغلبون ذلك المقدار المعين في مقابلته من الكفار ، وأن الله يمتن عليهم ، بما جعل فيهم من الشجاعة الإيمانية. ولكن معناها وحقيقتها ، الأمر ، وأن الله أمر المؤمنين ـ في أول الأمر ـ أن الواحد لا يجوز له أن يفر من العشرة ، والعشرة من المائة ، والمائة من الألف. ثمّ إن الله خفف ذلك ، فصار لا يجوز فرار المسلمين من مثليهم من الكفار ، فإن زادوا على مثليهم ، جاز لهم الفرار ، ولكن يرد على هذا أمران : أحدهما : أنها بصورة الخبر ، والأصل في الخبر أن يكون على بابه ، وأن المقصود بذلك الامتنان والإخبار بالواقع. والثاني : تقييد ذلك العدد أن يكونوا صابرين بأن يكونوا متدربين على الصبر. ومفهوم هذا ، أنهم إذا لم يكونوا صابرين ، فإنه يجوز لهم الفرار ، ولو أقل من مثلهم ، إذا غلب على ظنهم الضرر ، كما تقتضيه الحكمة الإلهية. ويجاب عن الأول بأن قوله : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) إلى آخرها ، دليل على أن هذا الأمر لازم ، وأمر محتم ، ثمّ إن الله خففه إلى ذلك العدد ، فهذا ظاهر في أنه أمر ، وإن كان في صيغة الخبر. وقد يقال : إن في إتيانه بلفظ الخبر ، نكتة بديعة ، لا توجد فيه إذا كان بلفظ الأمر ، وهي : تقوية قلوب المؤمنين ، والبشارة بأنهم سيغلبون الكافرين. ويجاب عن الثاني : أن المقصود بتقييد ذلك بالصابرين ، أنه حث على الصبر ، وأنه ينبغي منكم أن تفعلوا الأسباب الموجبة لذلك ، فإذا فعلوها ، صارت الأسباب الإيمانية ، والأسباب المادية ، مبشرة بحصول ما أخبر الله به ، من النصر لهذا العدد القليل.
[٦٧] هذه معاتبة من الله لرسوله وللمؤمنين يوم «بدر» إذ أسروا المشركين ، وأبقوهم لأجل الفداء ، وكان رأي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في هذه الحال ، قتلهم واستئصالهم. فقال تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) أي : ما ينبغي ، ولا يليق به إذا قاتل الكفار الّذين يريدون أن يطفئوا نور الله ويسعون لإخماد دينه ، وأن لا يبقى على وجه الأرض من يعبد الله ، أن يتسرع إلى أسرهم وإبقائهم ، لأجل الفداء ، الذي يحصل منهم ، وهو عرض قليل ، بالنسبة إلى المصلحة المقتضية لإبادتهم ، وإبطال شرهم ، فما دام لهم شر وصولة ، فالأوفق أن لا يؤسروا. فإذا أثخن في الأرض ، وبطل شر المشركين ، واضمحل أمرهم ، فحينئذ لا بأس بأخذ الأسرى منهم ، وإبقائهم. يقول تعالى : (تُرِيدُونَ) بأخذكم الفداء وإبقائهم (عَرَضَ الدُّنْيا) أي : لا لمصلحة تعود إلى دينكم. (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) بإعزاز دينه ، ونصر أوليائه ، وجعل كلمتهم عالية فوق غيرهم ، فيأمركم بما يوصل إلى ذلك. (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي : كامل العزة ، ولو شاء أن ينتصر من الكفار ، من دون قتال ، لفعل ولكنه حكيم ، يبتلي بعضكم ببعض.
[٦٨ ـ ٦٩] (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) به القضاء والقدر ، أنه قد أحل لكم الغنائم ، وأن الله رفع عنكم ـ أيتها الأمة ـ العذاب (لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) وفي الحديث : «لو نزل عذاب يوم بدر ، ما نجا منه إلا عمر». (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) وهذا من لطفه تعالى بهذه الأمة ، أن أحل لها الغنائم ، ولم تحل لأمة قبلها. (وَاتَّقُوا اللهَ) في جميع أموركم ولازموها ، شكرا لنعم الله عليكم ، (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) يغفر لمن تاب إليه ، جميع الذنوب ، ويغفر لمن