والنوازل المزعجة. ومنها : أن العبادة الشاقة على النفس ، لها فضل ومزية ، ليست لغيرها ، وكلما عظمت المشقة ، عظم الأجر. ومنها : أن توبة الله على عبده ، بحسب ندمه وأسفه الشديد ، وأن من لا يبالي بالذنب ، ولا يحرج إذا فعله ، فإن توبته مدخولة ، وإن زعم أنها مقبولة. ومنها : أن علامة الخير وزوال الشدة ، إذا تعلق القلب بالله تعالى ، تعلقا تاما ، وانقطع عن المخلوقين. ومنها : أن من لطف الله بالثلاثة ، أن وسمهم بوسم ، ليس بعار عليهم فقال : (أَخْلَفُوا) إشارة إلى أن المؤمنين خلفوهم ، أو خلفوا عن من بتّ في قبول عذرهم ، أو في رده ، وأنهم لم يكن تخلفهم ، رغبة عن الخير ، ولهذا لم يقل : «تخلفوا». ومنها : أنّ الله تعالى منّ عليهم بالصدق ، ولهذا أمر بالاقتداء بهم فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا) الآية.
[١١٩] أي : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ، وبما أمر الله بالإيمان به ، قوموا بما يقتضيه الإيمان ، وهو القيام بتقوى الله ، باجتناب ما نهى الله عنه ، والبعد عنه. (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) في أقوالهم ، وأفعالهم وأحوالهم ، الّذين أقوالهم صدق ، وأعمالهم ، وأحوالهم لا تكون إلا صدقا خالية من الكسل والفتور ، سالمة من المقاصد السيئة ، مشتملة على الإخلاص والنية الصالحة ، فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنّة. قال تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) الآية.
[١٢٠] يقول تعالى ـ حاثا لأهل المدينة المنورة من المهاجرين ، والأنصار ، ومن حولها من الأعراب ، الّذين أسلموا ، فحسن إسلامهم ـ : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ) أي : ما ينبغي لهم ذلك ، ولا يليق بأحوالهم. (وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ) في بقائها وراحتها ، وسكونها (عَنْ نَفْسِهِ) الكريمة الزكية ، بل النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فعلى كل مسلم أن يفدي النبي صلىاللهعليهوسلم بنفسه ، ويقدمه عليها. فعلامة تعظيم الرسول صلىاللهعليهوسلم ومحبته والإيمان التام به ، أن لا يتخلفوا عنه ، ثمّ ذكر الثواب الحامل على الخروج فقال : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ) أي : المجاهدين في سبيل الله (لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ) أي : تعب ومشقة (وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : مجاعة. (وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ) من الخوض لديارهم والاستيلاء على أوطانهم ، (وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً) كالظفر بجيش ، أو سرية ، أو الغنيمة لمال (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) لأن هذه آثار ناشئة عن أعمالهم. (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) الّذين أحسنوا في مبادرتهم إلى أمر الله ، وقيامهم بما عليهم من حقه ، وحق خلقه ، فهذه الأعمال ، آثار من آثار عملهم.
[١٢١] ثمّ قال : (وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) في ذهابهم إلى عدوهم (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ). ومن ذلك ، هذه الأعمال ، إذا أخلصوا فيها لله ، ونصحوا فيها. ففي هذه الآيات ، أشد ترغيب ، وتشويق للنفوس إلى الخروج إلى الجهاد في سبيل الله ، والاحتساب لما يصيبهم فيه من المشقات ، وأن ذلك لهم رفعة درجات وأن الآثار المترتبة على عمل العبد له ، فيها أجر كبير.
[١٢٢] يقول تعالى : ـ منبها لعباده المؤمنين على ما ينبغي لهم ـ (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) أي :