في الضيافة والإكرام. ثم رهبهم بعدم الإتيان به ، فقال : (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ) (٦٠) ، وذلك ، لعلمه باضطرارهم إلى الإتيان إليه ، وأن ذلك يحملهم على الإتيان به.
[٦١ ـ ٦٢] (قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) دل هذا على أن يعقوب عليهالسلام ، كان مولعا به ، لا يصبر عنه ، وكان يتسلى به بعد يوسف ، فلذلك احتاج إلى مراودة في بعثه معهم (وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) لما أمرتنا به ، (وَقالَ) يوسف (لِفِتْيانِهِ) الذين في خدمته : (اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ) أي : الثمن الذي اشتروا به من الميرة. (فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها) أي : بضاعتهم إذا رأوها بعد ذلك ، في رحالهم ، (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) لا لأجل التحرج من أخذها على ما قيل ، والظاهر ، أنه أراد أن يرغبهم في إحسانه إليهم ، بالكيل لهم كيلا وافيا ثم إعادة بضاعتهم إليهم ، على وجه لا يحسون بها ، ولا يشعرون لما يأتي ، فإن الإحسان ، يوجب للإنسان ، تمام الوفاء للمحسن.
[٦٣ ـ ٦٥] (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ) أي : إن لم ترسل معنا أخانا ، (فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ) أي : ليكون ذلك سببا لكيلنا ، ثم التزموا له بحفظه فقالوا : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) من أن يعرض له ما يكره. (قالَ) لهم يعقوب عليهالسلام : (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) ، أي : تقدم منكم التزام أكثر من هذا ، في حفظ يوسف ، ومع هذا ، فلم تفوا بما عقدتم من التأكيد ، فلا أثق بالتزامكم وحفظكم ، وإنما أثق بالله تعالى. (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) أي : يعلم حالي ، وأرجو أن يرحمني ، فيحفظه ويرده عليّ ، وكأنه في هذا الكلام ، قد لان لإرساله معهم. ثم إنهم (لَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ) ، هذا دليل ، على أنه قد كان معلوما عندهم ، أن يوسف قد ردها عليهم بالقصد ، وأنه أراد أن يملكهم إياها ، (قالُوا) لأبيهم ـ ترغيبا في إرسال أخيهم معهم ـ : (يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ) أي : أي شيء نطلب بعد هذا الإكرام الجميل ، حيث وفّى لنا الكيل ، ورد علينا بضاعتنا ، على الوجه الحسن ، المتضمن للإخلاص ، ومكارم الأخلاق؟ (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا) أي : إذا ذهبنا بأخينا ، صار سببا لكيله لنا ، فنمير أهلنا ، ونأتي لهم ، بما هم مضطرون إليه من القوت ، (وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ) بإرساله معنا ، فإنه يكيل لكل واحد حمل بعير ، (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) أي : سهل ، لا ينالك منه ضرر ، لأن المدة لا تطول ، والمصلحة قد تبينت.
[٦٦ ـ ٦٧] (قالَ) لهم يعقوب : (لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) أي : عهدا ثقيلا ، وتحلفون بالله (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ) أي : إلا أن يأتيكم أمر ، لا قبل لكم به ، ولا تقدرون دفعه ، (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ) على ما قال وأراد (قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) أي : تكفينا شهادته علينا ، وحفظه وكفالته ، ثم لما أرسله معهم ، وصاهم ، إذا هم قدموا مصر ، أن (لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ) وذلك لأنه خاف عليهم العين ، لكثرتهم وبهاء منظرهم ، لكونهم أبناء رجل واحد ، وهذا سبب. (وَ) إلا (ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) فالمقدر ، لا بد أن يكون ، (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) أي : القضاء قضاؤه ، والأمر أمره ، فما قضاه وحكم به ، لا بد أن يقع ، (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ)