عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ). أما يوسف فظاهر فعلهم فيه ، وأما أخوه ، فلعله ـ والله أعلم ـ قولهم : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) ، أو أن الحادث الذي فرّق بينه وبين أبيه ، هم السبب فيه ، والأصل الموجب له ، (إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) وهذا نوع اعتذار لهم بجهلهم ، أو توبيخ لهم إذ فعلوا فعل الجاهلين ، مع أنه لا ينبغي ، ولا يليق منهم.
[٩٠] فعرفوا أن الذي خاطبهم ، هو يوسف فقالوا : (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بالإيمان والتقوى. والتمكين في الدنيا ، وذلك بسبب الصبر والتقوى ، (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) أي : يتقي فعل ما حرم الله ، ويصبر على الآلام والمصائب ، وعلى الأوامر ، بامتثالها (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) فإن هذا من الإحسان ، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
[٩١] (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) أي : فضلك علينا ، بمكارم الأخلاق ، ومحاسن الشيم ، وأسأنا إليك غاية الإساءة ، وحرصنا على إيصال الأذى إليك ، والتبعيد لك عن أبيك ، فآثرك الله تعالى ، ومكنك مما تريده (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ).
[٩٢] (قالَ) لهم يوسف عليهالسلام ، كرما وجودا : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) أي : لا أثرب عليكم ولا ألومكم (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ، فسمح لهم سماحا تاما ، من غير تعيير لهم على ذكر الذنب السابق ، ودعا لهم بالمغفرة والرحمة ، وهذا نهاية الإحسان ، الذي لا يتأتى إلّا من خواص الخلق ، وخيار المصطفين.
[٩٣] أي : قال يوسف عليهالسلام لإخوته : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً) لأن كل داء يداوى بضده ، فهذا القميص ـ لما كان فيه أثر ريح يوسف ، الذي أودع قلب أبيه من الحزن ، والشوق ، ما الله به عليم ـ أراد أن يشمه ، فترجع إليه روحه ، وتتراجع إليه نفسه ، ويرجع إليه بصره ، ولله في ذلك حكم وأسرار ، لا يطلع عليها العباد ، وقد اطلع يوسف من ذلك على هذا الأمر. (وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) أي : أولادكم وعشيرتكم ، وتوابعكم كلهم ، ليحصل تمام اللقاء ، ويزول عنكم نكد المعيشة ، وضنك الرزق.
[٩٤] (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) عن أرض مصر ، مقبلة إلى أرض فلسطين ، شمّ يعقوب ريح القميص فقال : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) أي : تسخرون مني ، وتزعمون أن هذا الكلام صدر مني ، من غير شعور ، لأنه رأى منهم من التعجب من حاله ، ما أوجب له هذا القول ، فوقع ما ظنه بهم فقالوا :
[٩٥] (تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) أي : لا تزال تائها في بحر لجيّ لا تدري ما تقول.
[٩٦] (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) بقرب الاجتماع بيوسف وإخوته وأبيهم ، (أَلْقاهُ) أي : القميص (عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً) أي : رجع إلى حاله الأولى بصيرا ، بعد أن ابيضت عيناه من الحزن. فقال لمن حضره من أولاده وأهله ، الّذين كانوا يفندون رأيه ، ويتعجبون منه منتصرا عليهم ، مغتبطا بنعمة الله عليه : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) حيث كنت مترجيا للقاء يوسف ، مترقبا لزوال الهم والغم والحزن.
[٩٧] فأقروا بذنبهم و (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) (٩٧) حيث فعلنا معك ما فعلنا.