[٩٨] (قالَ) مجيبا لطلبهم ، ومسرعا لإجابتهم : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ورجائي به ، أن يغفر لكم ، ويرحمكم ، ويتغمدكم برحمته ، وقد قيل : إنه أخر الاستغفار لهم إلى وقت السحر الفاضل ، ليكون أتمّ للاستغفار ، وأقرب للإجابة.
[٩٩] أي : (فَلَمَّا) تجهز يعقوب وأولاده وأهلهم أجمعون ، وارتحلوا من بلادهم ، قاصدين الوصول إلى يوسف في مصر وسكناها ، فلما وصلوا إليه ، و (دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) أي : ضمهما إليه ، واختصهما بقربه ، وأبدى لهما من البر والإحسان ، والتبجيل والإعظام شيئا عظيما ، (وَقالَ) لجميع أهله : (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) من جميع المكاره والمخاوف ، فدخلوا في هذه الحال السارة ، وزال عنهم النصب ونكد المعيشة ، وحصل السرور والبهجة.
[١٠٠] (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) أي : على سرير الملك ، ومجلس العز ، (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) أي : أبوه ، وأمه ، وإخوته ، سجودا على وجه التعظيم والتبجيل والإكرام ، (وَقالَ) لما رأى هذه الحال ، ورأى سجودهم له : (يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ) حين رأى أحد عشر كوكبا ، والشمس والقمر له ساجدين ، فهذا وقوعها ، الذي آلت إليه ووصلت (قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) فلم يجعلها أضغاث أحلام. (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) إحسانا جسيما (إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) ، وهذا من لطفه ، وحسن خطابه ، عليهالسلام ، حيث ذكر حاله في السجن ، ولم يذكر حاله في الجب ، لتمام عفوه عن إخوته ، وأنه لا يذكر ذلك الذنب ، وأن إتيانكم من البادية ، من إحسان الله. فلم يقل : جاء بكم من الجوع والنصب ، ولا قال : «أحسن بكم» بل قال : (أَحْسَنَ بِي) ، جعل الإحسان ، عائدا إليه ، فتبارك من يختص برحمته من يشاء من عباده ، ويهب لهم من لدنه رحمة ، إنه هو الوهاب.
(مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) فلم يقل «نزع الشيطان إخوتي» بل كأن الذنب والجهل ، صدر من الطرفين ، فالحمد لله ، الذي أخزى الشيطان ودحره ، وجمعنا بعد تلك الفرقة الشاقة. (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ) يوصل بره وإحسانه إلى العبد ، من حيث لا يشعر ، ويوصله إلى المنازل الرفيعة من أمور يكرهها ، (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) الذي يعلم ظواهر الأمور وبواطنها ، وسرائر العباد وضمائرهم ، (الْحَكِيمُ) في وضعه الأشياء مواضعها ، وسوقه الأمور إلى أوقاتها المقدرة لها.
[١٠١] لما أتم الله ليوسف ما أتم من التمكين في الأرض والملك ، وأقر عينه بأبويه وإخوته وبعد العلم العظيم الذي أعطاه الله إياه ، فقال مقرا بنعمة الله شاكرا لها داعيا بالثبات على الإسلام : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) وذلك أنه كان على خزائن الأرض وتدبيرها ووزيرا كبيرا للملك (وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أي : من تأويل أحاديث الكتب المنزلة وتأويل الرؤيا وغير ذلك من العلم (فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً) أي : أدم علي الإسلام وثبتني عليه حتى تتوفاني عليه ، ولم يكن هذا دعاء باستعجال الموت ، (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) من الأنبياء الأبرار والأصفياء الأخيار.