اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٥٣). (وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) على من لم يزل مصرا على الذنوب ، قد أبى التوبة والاستغفار والالتجاء إلى العزيز الغفار ، فليحذر العباد عقوباته بأهل الجرائم ، فإن أخذه أليم شديد.
[٧] أي : ويقترح الكفار عليك من الآيات ، التي يعينون ويقولون : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) ويجعلون هذا القول منهم. عذرا لهم في عدم الإجابة إلى الرسول ، والحال ، أنه منذر ، ليس له من الأمر شيء ، والله هو الذي ينزل الآيات. وقد أيده بالأدلة البينات ، التي لا تخفى على أولي الألباب ، وبها يهتدي من قصده الحقّ ، وأما الكافر ، الذي ـ من ظلمه وجهله ـ يقترح على الله الآيات ، فهذا اقتراح منه ، باطل وكذب وافتراء. فإنه لو جاءته أي آية كانت ، لم يؤمن ولم ينقد ، لأنه لم يمتنع من الإيمان ، لعدم ما يدله على صحته ، وإنّما ذلك ، لهوى نفسه ، واتباع شهوته ، (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) أي : داع يدعوهم إلى الهدى ، من الرسل وأتباعهم ، ومعهم من الأدلة والبراهين ، ما يدل على صحة ما معهم من الهدى.
[٨] يخبر تعالى ، بعموم علمه ، وسعة اطلاعه ، وإحاطته بكل شيء فقال : (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) من بني آدم وغيرهم ، (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) أي : تنقص مما فيها ، إما أن يهلك الحمل ، أو يتضاءل أو يضمحل ، (وَما تَزْدادُ) الأرحام وتكبر الأجنة التي فيها ، (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) لا يتقدم عليه ولا يتأخر ، ولا يزيد ، ولا ينقص إلا بما تقتضيه حكمته وعلمه.
[٩] فإنه (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ) في ذاته ، وأسمائه ، وصفاته (الْمُتَعالِ) على جميع خلقه ، بذاته وقدرته ، وقهره.
[١٠] (سَواءٌ مِنْكُمْ) في علمه وسمعه ، وبصره. (مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ) أي : مستقر بمكان خفي فيه ، (وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) أي : داخل سربه في النهار ، والسرب هو : ما يستخفي فيه الإنسان ، إما جوف بيته ، أو غار ، أو مغارة ، أو نحو ذلك.
[١١] (لَهُ) أي : للإنسان (مُعَقِّباتٌ) من الملائكة ، يتعاقبون في الليل والنهار. (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) أي : يحفظون بدنه وروحه ، من كل من يريده بسوء ، ويحفظون عليه أعماله ، وهم ملازمون له دائما. فكما أن علم الله محيط به ، فالله قد أرسل هؤلاء الحفظة على العباد ، بحيث لا تخفى أحوالهم ولا أعمالهم ، ولا ينسى منها شيء ، (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) من النعمة والإحسان ، ورغد العيش (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر ، ومن الطاعة إلى المعصية ، أو من شكر نعم الله إلى البطر بها ، فيسلبهم الله إياها عند ذلك. وكذلك إذا غير العباد ، ما بأنفسهم من المعصية ، فانتقلوا إلى طاعة الله ، غيّر الله عليهم ، ما كانوا فيه من الشقاء ، إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة ، (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً) أي : عذابا وشدة ، وأمرا يكرهونه ، فإن إرادته ، لا بد أن تنفذ فيهم. (ف) إنه (لا (مَرَدَّ لَهُ)) ولا أحد يمنعهم منه ، (وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) يتولى