[٢٨] ثمّ ذكر تعالى علامة المؤمنين فقال : (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) أي : يزول قلقها واضطرابها ، وتحضرها أفراحها ولذاتها. (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) أي : حقيق بها ، وحريّ أن لا تطمئن لشيء سوى ذكره ، فإنه لا شيء ألذ للقلوب ولا أحلى ، من محبة خالقها ، والأنس به ومعرفته ، وعلى قدر معرفتها بالله ومحبتها له ، يكون ذكرها له ، هذا على القول بأن ذكر الله ، هو ذكر العبد لربه ، من تسبيح ، وتهليل ، وتكبير وغير ذلك. وقيل : إن المراد بذكر الله كتابه ، الذي أنزله ذكرى للمؤمنين. فعلى هذا ، معنى طمأنينة القلب بذكر الله : أنها حين تعرف معاني القرآن وأحكامه ، تطمئن لها ، فإنها تدل على الحقّ المبين ، المؤيد بالأدلة والبراهين ، وبذلك تطمئن القلوب ، فإنها لا تطمئن القلوب ، إلا باليقين والعلم ، وذلك في كتاب الله ، مضمون على أتم الوجوه وأكملها ، وأما ما سواه من الكتب ، التي لا ترجع إليه ، فلا تطمئن بها ، بل لا تزال قلقة من تعارض الأدلة ، وتضاد الأحكام. (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) وهذا إنّما يعرفه من خبر كتاب الله ، وتدبره ، وتدبر غيره من أنواع العلوم ، فإنه يجد بينها وبينه فرقا عظيما.
[٢٩] ثمّ قال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي : آمنوا بقلوبهم بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وصدقوا هذا الإيمان ، بالأعمال الصالحة ، أعمال القلوب ، كمحبة الله ، وخشيته ورجائه ، وأعمال الجوارح ، كالصلاة ونحوها ، (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) أي : لهم حالة طيبة ، ومرجع حسن.
وذلك بما ينالون ، من رضوان الله وكرامته ، في الدنيا والآخرة ، وأن لهم كمال الراحة ، وتمام الطمأنينة ، ومن جملة ذلك ، شجرة طوبى ، التي في الجنة ، التي يسير الراكب في ظلها ، مائة عام ما يقطعها ، كما وردت بها الأحاديث الصحيحة.
[٣٠] يقول تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : (كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ) إلى قومك تدعوهم إلى الهدى ، (فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ) أرسلنا فيهم رسلنا. فلست ببدع من الرسل ، حتى يستنكروا رسالتك ، ولست تقول من تلقاء نفسك ، بل تتلو عليهم آيات الله ، التي أوحاها الله إليك ، التي تطهر القلوب ، وتزكي النفوس. والحال أن قومك ، يكفرون بالرحمن ، فلم يقابلوا رحمته وإحسانه ـ التي أعظمها أن أرسلناك إليهم رسولا ، وأنزلنا عليك كتابا ـ بالقبول والشكر ، بل قابلوها بالإنكار والرد ، فلا يعتبرون بمن خلا من قبلهم ، من القرون المكذبة ، كيف أخذهم الله بذنوبهم ، (قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وهذا متضمن التوحيدين ، توحيد الألوهية ، وتوحيد الربوبية. فهو ربي ، الذي رباني بنعمه ، منذ أوجدني ، وهو إلهي الذي (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) في جميع أموري (وَإِلَيْهِ مَتابِ) أي : أرجع في جميع عباداتي ، وفي حاجاتي.
[٣١] يقول تعالى ـ مبينا فضل القرآن الكريم على سائر الكتب المنزلة ـ : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً) من الكتب الإلهية (سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) عن أماكنها (أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) جنانا وأنهارا (أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) لكان هذا القرآن. (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) فيأتي بالآيات ، التي تقتضيها حكمته ، فما بال المكذبين ، يقترحون من الآيات ـ ما يقترحون؟ فهل