لهم ولغيرهم من الأمر شيء؟ (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) فليعلموا أنه قادر على هدايتهم جميعا ، ولكن لا يشاء ذلك ، بل يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا) على كفرهم ، لا يعتبرون ، ولا يتعظون. والله تعالى يوالي عليهم القوارع ، التي تصيبهم في ديارهم ، أو تحل قريبا منها ، وهم مصرون على كفرهم (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) الذي وعدهم به ، لنزول العذاب المتصل ، الذي لا يمكن رفعه ، (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) وهذا تهديد وتخويف لهم من نزول ما وعدهم الله به على كفرهم ، وعنادهم ، وظلمهم.
[٣٢] يقول تعالى لرسوله ـ مثبتا له ، ومسليا ـ (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) فلست أول رسول ، كذّب وأوذي (فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) برسلهم ، أي أمهلتهم مدة حتى ظنوا أنهم غير معذبين. (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) بأنواع العذاب (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) كان عقابا شديدا ، وعذابا أليما ، فلا يغتر هؤلاء الّذين كذبوك ، واستهزأوا بك ، بإمهالنا ، فلهم أسوة فيمن قبلهم من الأمم ، فليحذروا أن يفعل بهم كما فعل بأولئك.
[٣٣ ـ ٣٤] يقول تعالى : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) بالجزاء العاجل والآجل ، بالعدل والقسط ، وهو : الله تبارك وتعالى ، كمن ليس كذلك؟ ولهذا قال : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) وهو الله الأحد ، الفرد ، الصمد ، الذي لا شريك له ، ولا ندّ ولا نظير. (قُلْ) لهم ، إن كانوا صادقين : (سَمُّوهُمْ) لنعلم حالهم ، (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ) فإنه إذا كان عالم الغيب والشهادة ، وهو لا يعلم له شريكا ، علم بذلك ، بطلان دعوى الشريك له وأنكم بمنزلة الذي يعلّم الله أن له شريكا ، هو لا يعلمه ، وهذا أبطل ما يكون ، ولهذا قال : (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) أي : غاية ما يمكن من دعوى الشريك له تعالى ، أنه بظاهر أقوالكم. وأما في الحقيقة ، فلا إله إلا الله ، وليس أحد من الخلق ، يستحق شيئا من العبادة ، (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ) الذي مكروه ، وهو كفرهم ، وشركهم ، وتكذيبهم لآيات الله ، (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) أي : عن الطريق ، المستقيمة ، الموصلة إلى الله ، وإلى دار كرامته ، (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) لأنه ليس لأحد من الأمر شيء. (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ) من عذاب الدنيا ، لشدته ودوامه ، (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) يقيهم من عذابه ، فعذابه إذا وجهه إليهم ، لا مانع منه.
[٣٥] يقول تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) الّذين تركوا ما نهاهم الله عنه ، ولم يقصروا فيما أمرهم به ، أي : صفتها وحقيقتها (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أنهار العسل ، وأنهار الخمر ، وأنهار اللبن ، وأنهار الماء التي تجري في غير أخدود ، فتسقي تلك البساتين ، والأشجار ، فتحمل جميع أنواع الثمار. (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) دائم أيضا ، (تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا) أي : مآلهم وعاقبتهم ، التي إليها يصيرون ، (وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ) فكم بين الفريقين من الفرق المبين؟
[٣٦] يقول تعالى : (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أي : مننّا عليهم به وبمعرفته ، (يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) فيؤمنون به ، ويصدقونه ، ويفرحون بموافقة الكتب بعضها لبعض ، وتصديق بعضها بعضا ، وهذه حال من آمن ، من أهل