الكتاب ، (وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) أي : ومن طوائف الكفار المنحرفين عن الحقّ ، من ينكر بعض هذا القرآن ، ولا يصدقه. (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) إنّما أنت يا محمد منذر ، تدعو إلى الله ، (قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ) أي : بإخلاص الدين لله وحده ، (إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ) أي : مرجعي الذي أرجع به إليه ، فيجازيني بما قمت به من الدعوة ، إلى دينه ، والقيام بما أمرت به.
[٣٧] (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ) أي : ولقد أنزلنا هذا القرآن والكتاب ، (حُكْماً عَرَبِيًّا) ، أي : محكما متقنا ، بأوضح الألسنة ، وأفصح اللغات ، لئلا يقع فيه شك واشتباه ، وليوجب أن يتبع وحده ، ولا يداهن فيه ، ولا يتبع ما يضاده ويناقضه ، من أهواء الّذين لا يعلمون. ولهذا توعد رسوله ـ مع أنه معصوم ـ ليمتن عليه بعصمته ، وليكون لأمته أسوة في الأحكام ، فقال : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) البين الذي ينهاك عن اتباع أهوائهم ، (ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) يتولاك فيحصل لك الأمر المحبوب ، (وَلا واقٍ) يقيك من الأمر المكروه.
[٣٨] أي : لست أول رسول أرسل إلى الناس ، حتى يستغربوا رسالتك ، (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) فلا يعيبك أعداؤك ، بأن يكون لك أزواج وذرية ، كما كان لإخوانك المرسلين ، فلأي شيء يقدحون فيك بذلك وهم يعلمون أن الرسل قبلك كذلك ؛ إلا لأجل أغراضهم الفاسدة وأهوائهم؟ وإن طلبوا منك آية اقترحوها ، فليس لك من الأمر شيء ، (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) والله لا يأذن فيها إلا في وقتها الذي قدره وقضاه. (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) لا يتقدم عليه ، ولا يتأخر عنه ، فليس استعجالهم بالآيات أو العذاب ، موجبا لأن يقدم الله ما كتب أنه يؤخر ، مع أنه تعالى فعال لما يريد.
[٣٩] (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) من الأقدار (وَيُثْبِتُ) ما يشاء منها ، وهذا المحو والتغيير ، في غير ما سبق به علمه ، وكتبه قلمه ، فإن هذا لا يقع فيه تبديل ولا تغيير ، لأن ذلك محال على الله ، أن يقع في علمه نقص ، أو خلل ، ولهذا قال : (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) أي : اللوح المحفوظ ، الذي ترجع إليه سائر الأشياء ، فهو أصلها ، وهي فروع وشعب. فالتغيير والتبديل ، يقع في الفروع والشعب ، كأعمال اليوم والليلة ، التي تكتبها الملائكة ، ويجعل الله لثبوتها أسبابا ، ولمحوها أسبابا ، لا تتعدى تلك الأسباب ، ما رسم في اللوح المحفوظ ، كما جعل الله البر ، والصلة ، والإحسان ، من أسباب طول العمر ، وسعة الرزق ، وكما جعل المعاصي ، سببا لمحق بركة الرزق والعمر ، وكما جعل أسباب النجاة من المهالك والمعاطب ، سببا للسلامة. وجعل التعرض لذلك ، سببا للعطب ، فهو الذي يدبر الأمور ، بحسب قدرته وإرادته ، وما يدبره منها ، لا يخالف ما قد علمه وكتبه ، في اللوح المحفوظ.
[٤٠] يقول تعالى ، لنبيه محمد صلىاللهعليهوسلم : لا تعجل عليهم ، بإصابة ما يوعدون من العذاب ، فهم إن استمروا على طغيانهم وكفرهم ، فلا بد أن يصيبهم ما وعدوا به ، (وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ) إياه في الدنيا ، فتقر بذلك عينك. [بل هي مبنية